ميثاق مناحي العيساوي
تكمن أهمية انتخابات التجديد النصفي الأميركي التي أجريت في السادس من نوفمبر تشرين الثاني الجاري كونها تسهم في تحديد مستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ لم تكن مجرد انتخابات للتصويت على سياسات الرئيس فقط، وإنما كانت بمنزلة جولة مبكرة من جولات الصراع الانتخابي للانتخابات الرئاسية المقبلة، والمزمع إجراؤها عام 2020. فالرئيس الأميركي ينظر إلى هذه الانتخابات بأنها الخطوة الأولى في إعادة ترشيحه لولاية ثانية وبقاؤه أربع سنوات أخرى في البيت الأبيض، على الرغم من حجم التحديات المقبلة التي ستقف بوجه الرئيس في العاميين المقبلين، لذلك كانت ردود فعله تتسق مع ما يسعى إليه مستقبلاً، فقد حول هزيمة حزبه في مجلس النواب إلى إنتصار كبير، من خلال تعظيم فوزهم بمقاعد إضافية في مجلس الشيوخ والتشفي في أعضاء الكونغرس الذين خسروا مقاعدهم بسبب عدم ولائهم له.
بهذه الفرضية كان هناك جدل كبير بشأن مستقبل ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة على وفق معطيات الانتخابات النصفية، مفادهُ: هل سيغادر دونالد ترامب البيت الأبيض بعد ولايته الأولى أم سينجح في حصد ولايته الثانية؟ بالتأكيد لن تكون ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب الثانية مفاجئة كولايته الأولى، بل على العكس من ذلك، ربما تكون طبيعة جداً في ضوء نتائج ومعطيات الانتخابات النصفية الماضية. فالرئيس الأميركي الحالي ربما تبدو حظوظه الانتخابية أكبر من أي وقت مضى، سيما مع تعزيز سيطرة حزبه على مجلس الشيوخ الأميركي، ففرضية فوزه بولاية ثانية أصبحت أكبر من فرضية الخسارة، وذلك وفقاً لبعض المؤشرات التي أفرزتها الانتخابات النصفية، ومن أهمها: إن نتائج الانتخابات لم تبخس حظوظ الحزب الحاكم، على الرغم من خسارتهم لمجلس النواب. فالعرف السائد في الولايات المتحدة الأميركية يظهر بأن نتائج الانتخابات النصفية لا تأتي لصالح الحزب الحاكم أبداً، بل على العكس من ذلك، عادة ما تأتي لصالح الحزب المنافس؛ لكون الانتخابات النصفية تمثل فرصة للأميركيين بالتعبير عن إستيائهم من سياسيات الحزب الحاكم/ وأداء الرئيس من خلال تقويض الدعم لحزبه ومنح المزيد من المساحة والتفويض للحزب المنافس، لذا فأن العرف السائد في السياسة الأمريكية يظهر بأن الحزب الحاكم يفقد عددا كبيراً من مقاعده لصالح الحزب المنافس، وهو نوع من الاستياء الذي يظهره الأميركيين اتجاه سياسات الرئيس، وهذا ما حصل بالفعل مع الرئيس السابق باراك أوباما في انتخابات التجديد النصفي التي جرت عام 2010، إذ خسر حزبه 63 مقعداً في مجلس النواب وستة مقاعد في مجلس الشيوخ.
تعزيز الجمهوريون سيطرتهم على مجلس الشيوخ بواقع زيادة تسعة مقاعد عن السابق، ليصبح عدد مقاعدهم 51 مقعد مقابل 43 مقعد للديمقراطيين، مما يؤشر على أن هناك رغبة شعبية وحزبية اتجاه سياسات الرئيس.
يبدو بأن الرئيس ترامب سيكون أكثر ارتياحاً وأقل تنافسية في الانتخابات المقبلة من قبل منافسيه في الحزب، سيما مع رحيل الجمهوريين الأكثر مناهضة له مثل بوب كوكر وجيف فليك ومن قبلهم جون ماكين، على الرغم من صعود رومني الصوت المزعج لترامب، لكنه تخلص من بول رايان رئيس مجلس النواب الأسبق و أحد أكبر منافسي ترامب داخل الحزب.
نتائج انتخابات حكام الولايات، أفرزت فوز الجمهوريين بعدد أكبر من الديمقراطيين. مثلت انتخابات التجديد النصفي أفول التيار التقليدي داخل الحزب الجمهوري، وصعود اليمين السياسي، وهذا يعني بأن الطريق سيكون مفتوحاً أمام تيار الرئيس في تسريع التحول الشعبوي داخل الحزب الجمهوري، ويفتح المجال أمام وجوه جمهورية جديدة داخل الحزب أقل تنافسية مع ترامب ومختلفة عن التوجهات التي تزعمها بول رايان.
إن معارضة الديمقراطيون لسياسات ترامب داخل مجلس النواب، ربما يحولها الرئيس لصالحه، سيما في حل القضايا العالقة، مثل: قانون الهجرة، ومسألة تمويل الجدار العازل مع المكسيك وغيرها من المسائل العالقة.
أثبتت نتائج الانتخابات النصفية ولاء أرياف الولايات الأميركية لصالح ترامب، وذلك بالإتكاء على خطابه الشعبوي الذي أثبت نجاحه مرة أخرى.
إن نجاح الديمقراطيون في كسب مجلس النواب الأميركي لصالحهم في الانتخابات النصفية لا يتناسب مع انتفاضتهم وحشدهم الانتخابي، سيما وأن التوقعات كانت تشير إلى كسب الديمقراطيين للكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب والشيوخ).
إن أحتفاظ الجمهوريين بسيطرتهم على مجلس الشيوخ سيعطي الرئيس الأميركي أريحية كبيرة في مسألة التعيينات، سيما في مسألة تعيين القضاة والمسؤولين، لأن المجلس يختص بمفرده في موضوع التصديق على تعيينات الرئيس. وبهذا سيكون لترامب مطلق الحرية في تعيين وإستبدال المسؤولين في المواقع الأميركية المهمة، وبالتالي سيعزز من مكانته السياسية وحظوظه الانتخابية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعلى الرغم من أن هذه المعطيات أعطت إنطباعا عاما للأميركيين، بأن فرضية فوز الرئيس ترامب بولاية رئاسية ثانية باتت أكبر من فرضية خسارته السباق الرئاسي في انتخابات عام 2020، إلا أن أمام ترامب عامين معقدين من أجل تثبيت أقدامه في السباق الرئاسي المقبل، خصوصا وأن هناك أسماء معارضة له من داخل الحزب مثل رومني، الذي يعد من أشد المعارضين والمنافسين لترامب سواء فيما يتعلق بسياسات الرئيس أو فيما يتعلق بالتنافس المقبل في الترشيح للانتخابات الرئاسية المقبلة، فضلاً عن ذلك، ستبقى حظوظ الديمقراطيين ومنافستهم في الانتخابات المقبلة كبيرة جداً، لاسيما مع التحشيد الكبير لعناصر الحزب الديمقراطي الذي بدأ مع إنطلاق الحملة الانتخابية لانتخابات التجديد النصفي.
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية