د. علي شمخي
لم تقسُ الجغرافية على بلد عبر التاريخ مثل قسوتها على العراق ومن الصحيح القول ان هذه الجغرافية تركت بصماتها على صفحات التاريخ القديم والحديث والمعاصر لهذا البلد ..وبسبب هذه الجغرافية احتلت بلاد النهرين من قبل جيراننا الاتراك اربعة قرون ولم يترك لنا هؤلاء في المدن والقرى والقصبات سوى الدمار والخراب والمرض والجوع وبسبب هذه الجغرافية كانت بلادنا ميداناً للاحتلال الصفوي لعقود طويلة وميدانا للحرب العراقية الايرانية لاكثر من ثماني سنوات سقط فيها اكثر من مليون قتيل وجريح وفقد فيها مئات الالاف من المفقودين ومثلهم كان نصيب الاسرى مثلما كانت هذه الارض ميداناً لتصفية الحسابات والاستحواذ على مساحات كبيرة من العراق في الصراع الصفوي العثماني ومن ثم الصراع العثماني البريطاني ولم يترك لنا الصفويون والبريطانيون سوى الفتن والتخلف وبسبب الجغرافية عاث الوهابيون القادمون من ارض نجد والحجاز فساداً بمدن العراق المقدسة وشنوا غاراتهم الوحشية على مدنه وسكانها وهددوا استقرار البلاد وبسبب هذه الجغرافية اعاد صدام الكويت الى خارطة العراق بصولة مجنونة لم يحسب لها اي حساب وكان ثمنها ان اعاد الحلفاء بلاد الرافدين الى العصور المظلمة وبقي الشعب العراقي يئن تحت وطأة حصار اممي قل نظيره عبر التاريخ الانساني وراح ضحيته مئات الالوف من الاطفال والنساء والشيوخ وانتشرت الامراض والجوع والحرمان في ربوع العراق من شماله الى جنوبه وبسبب هذه الجغرافية اعيد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها بحجة تهديد صدام لجيرانه وحيازته للاسلحة الكيمياوية التي تهدد الامن القومي الاميركي في بلدان الخليج النفطية وبسبب هذه الجغرافية نزف العراق دماً منذ سقوط النظام الديكتاتوري ودخل اراضيه من الحدود الغربية الاف المسلحين والارهابيين وشكلوا مجاميع مسلحة فتكت وتفتك كل يوم بارواح الابرياء من ابناء هذا البلد ولم يجد تنظيم القاعدة وتنظيم داعش اسهل من دخول اراضي العراق عبر حدوده وجيرانه … وبسبب هذه الجغرافية فان ساسة العراق لايقوون على امتلاك الارادة الوطنية القادرة على بناء الوطن والحفاظ على سيادته من دون الرجوع والاستئذان والاستشارة والمساعدة وطلب الدعم والتأثير من جيران العراق الايرانيين والاتراك والسعوديين والكويتيين والاردنيين …!! مثلما تفعل الان وفود الاحزاب والكتل والائتلافات التي انطلقت الى عواصم هذه البلدان فور الانتهاء من اجراء الانتخابات العامة …!! ستتفقون معنا بأن الجغرافية لم ترحمنا ابدا وان بلاد مابين لنهرين ستكون اسعد واجمل واكثر استقراراً واماناً لو كانت جزيرة تحيطها المياه من جميع الاتجاهات حينها لن نطلب العون من احد سوى الله في المحن وفي حفظ بلادنا وصون كرامتنا وحينها سنكون بمنأى عن الفتن والولاءات والحروب والاجندات الخارجية وحينها سيكون تاريخنا اقل دماءاً وقتلاً واقل حزناً وفجاعة واكثر رحمة…!!