سلطة الإدارة في معاقبة أعضاء اللجان التحقيقية

علي خليل الجنابي

اللجنة التحقيقية هي لجنة تشكلت حسب نص المادة العاشرة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل من ثلاثة أشخاص على أن يكون بينهم موظف حاصل على شهادة أولية في القانون للنظر تحقيقا في أمر معين والوصول الى الحقيقة وتحديد المقصر ومدى التقصير وقيمة الأضرار التي أصابت الإدارة أو الغير، وصلاحياتها واسعة ولها سلطة تقديرية للنظر في الأمور وتدقيق الأوراق والمستندات والوقائع وتتوصل الى نتائج ثم توصيات فترفع التوصيات الى رئيس الدائرة الذي أمر بتشكيل اللجنة التحقيقية للتحقيق في مسألة ما فأما أن يصادق التوصيات أو لا يصادقها أو يقوم بتعديلها وقراراتها هنا تكون قابلة للتظلم والطعن أمام المحاكم.
احيانا تقوم الدائرة او جهة اعلى منها بتشكيل لجنة تحقيقية للتحقيق مع لجنة تحقيقية سابقة بسبب عدم الاهتمام بالتحقيق او عدم وضع توصيات معينة او وضع توصيات اعلى مما يستحقه الفعل وغيرها من المسائل فهل يحق لهذه الجهات تشكيل هكذا لجنة للتحقيق مع لجنة سابقة في هكذا مواضيع؟
اللجنة التحقيقية عندما تشكل بأمر رئيس الدائرة او من يخوله حسب القانون لها سلطة تقديرية للتحقيق في المسائل التي احيلت اليها وكذلك سلطة تقديرية في التوصيات حيث ان القانون الاداري قانون غير مقنن ومتطور و واسع وان التقنين ورد في جزء منه وخاصة في الجانب الاجرائي له وليس بوسعه تحديد مخالفات ادارية وعقوبات لها لاتساعها وتطورها واختلافها فمثلا لا يمكن وضع نص ان من ضرب تلميذا يستحق عقوبة لفت نظر فالوضع هنا متشعب فمثلا من يضرب تلميذا ويؤذيه ويسبب عاهة له ليس كمن يضربه فقط من دون عاهة او اثر وليس كمن يضربه ويخدش حياءه ويهينه مما يضطره لترك المدرسة كما ان المعلم الذي يضربه ان كان معاقبا سابقا على فعل مماثل يختلف عمن يرتكبه اول مرة ويختلف المعلم كثير المشكلات عن المعلم الذي لم يحدث اي مشكلة سابقا كل هذا يخضع للسلطة التقديرية الممنوحة للجنة التحقيق وهي توصي بالعقوبة التي تراها مناسبة حسب استقرائها للموضوع من حيث جسامة الفعل المرتكب والسجل الوظيفي للموظف المحال الى التحقيق والاعمال التي يقم بها الموظف من ناحية التميز وعدم التميز في العمل كل هذه مسائل مهمة تؤخذ بالحسبان عند التحقيق وهنا لا يمكن ان يعاقب اعضاء للجنة التحقيقية لعدم اتخاذهم اجراء معين او عدم التوصية بأمر معين او اذا ظنت الادارة ان إقصائهم كان اعلى من الفعل المرتكب فللجنة سلطتها التقديرية في الموضوع واذا لم تقتنع الادارة بتوصيات اللجنة عليها ان لا تصادق متمثلة برئيسها على توصيات اللجنة وان تعيد التوصيات للجنة ذاتها اما اذا اصرت اللجنة على توصياتها ولم تقتنع الادارة فيمكن لها مصادقة التوصيات تعديلا اما بانقاصها او اضافة قرار من رئيس الدائرة فيأخذ شكل القرار الاداري النهائي بعد اكتمال الشكل والمحل والسبب ويكون قابلا للطعن ولا يحق للإدارة هنا مسائلة اللجنة عن اعمالها وتوصياتها.
وهذا امر قضت به محكمة قضاء الموظفين في قرارها رقم816/2018 في الدعوى رقم 799/ج/2017 في 15/4/2018 فقررت الغاء عقوبة لفت النظر لرئيس لجنة تحقيقية لان اللجان لا تقرر بل توصي وان التوصية اما ان يأخذ بها الرئيس الاعلى او يعدلها وقد لا تتوصل اللجان في كثير من الاحيان الى الهدف المطلوب الذي من اجله تم تشكيل اللجنة التحقيقية بالتالي ان للرئيس الاعلى امكانية اعادة تشكيل اللجنة مجددا من اشخاص تتوسم فيهم الكفاءة والمقدرة وان محاسبة رئيس اللجنة لا سند له من القانون.
هذا من ناحية الادارة نفسها او جهة اعلى منها خاصة وان مكاتب المفتشين العموميين تقوم بالتدخل في هكذا مسائل في اغلب الاحيان مقررة معاقبة اللجان التحقيقية لعدم قيامهم بعملهم بالشكل المطلوب.
ارى ان معاقبة اللجان التحقيقية كما هو امر غير قانوني يخلق مجالا للتخوف وعدم القدرة على اتخاذ قرار سليم ويخل بحيادية اللجنة التي يجب ان تكون حيادية بين الادارة والموظف وعدم الميل لأي جهة اما هنا قد يتخلف الامر فالتخوف قد يجعل اللجنة تميل للإدارة خوفا من العقاب.
من جهة اخرى يتعرض اعضاء اللجنة التحقيقية الى الشكوى منهم امام المحاكم الجزائية وخاصة اما مكاتب التحقيق في هيئة النزاهة من المتضرر من العقوبة والمشكلة الكبرى ان هذه الشكاوى تسمع من المحكمة ويتم التحقيق فيها مع ان مسائل الاعتراض على عقوبات اللجان التحقيقية وضع القانون مرجعا للطعن بها بعد التظلم امام محكمة قضاء الموظفين وسمعت هكذا دعوى على لجنة تحقيقية في تربية بابل امام هيئة النزاهة في بابل والمحكمة قررت استقدام اللجنة وتكفيلهم.
الاعتراض على اللجان يكون امام محكمة قضاء الموظفين ان كانت عقوبات وامام القضاء الاعتيادي ان كانت تضمين. و ان اللجنة التحقيقية توصي ولا تقرر بالتالي لا يجوز اختصام اللجنة حتى وان كان النظر من اختصاص المحاكم الجزائية كون ان القرار النهائي من صلاحية الرئيس الاعلى للدائرة.
خلاصة القول :ان لا سلطة للإدارة في معاقبة اعضاء اللجنة التحقيقية للظن بان هناك تقصيرا بعملهم ولا يحق للمحاكم الجزائية سماع الدعاوى تجاههم الا اذا تخلل عملهم عنصرا جزائيا كون ان اللجنة قبلت رشوة ما وغير ذلك من المسائل الجزائية التي تكون ثابتة بموجب إجراءات قضائية.
مشاور قانوني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة