مؤيد عليوي
تنبلج أغلب نصوص ديوان الغزل» لكَ وحدكَ أخلُعني « للشاعر العراقي كامل حسن، عن المشاعر الانسانية في نصه الشعري بوضوح الصورة الفنية وجرس صوت السين، تلك الصور التي تتصل بدلالة عنوان النص من خلال المقطع الاخير في كل النص من الديوان، فالمقطع الاخير الذي يأتي محملاً بجرس صوت السين ضمن الصورة الفنية ومدلولها الشعري المتواشج بمدلول كل مقطع قبله، وقد اختار النقد نصي « دعوة « و» واشتهاء ..» ليكونا أنموذجي هذه الدراسة.
أما نص « دعوة « فنرى أن المدلول الشعري يتوجه بالدعوة الى العشق لها هي في نهايته : ( أن اشقى الناس من عاش / بريئا من ذنوب العشق / لم يسط على كرم ولا في الليل / قد عد النجوم ) فنلحظ أن تمييز جرس صوت السين في هذا المقطع من الفعل المضارع ( يسطو)المجزوم بحذف حرف العلة ليعبر عن السكر فالكرم أو العنب مادة الخمرة الاولى، والشاعر أراد هنا عيون الحبيبة تسكره في اللقاء من خلال أيراد الدلالة السابقة التي صارت مدلولا على لقاء الحبيبة وعيونها هي التي تسكره هو، فيعيد جرس صوت السين في هذا المقطع الاخير كل معنى مرتبط أو متواشج بمدلول سعادة العشق بالمقاطع السابقة له، إذ المقطع الثاني نجد فيه حجم السعادة اكبر من حجم الزمان الراكض وأن كانت لحظات عشق مسروقة من ذلك الوقت في اللقاء: ( تعالي ../ نسرق الوقت المهرول/ ونصير الريش للعصفور كي يعلو) في مدلول على الحرية والسعادة مثل حرية العصافير، وفي المقطع الثالث صوت السين متصل بشكل فاصحٍ عن حلاوة الشهد في العشق:(لم يزل بين شفاه الغيمة البيضاء / دنٌّ من عسل)، وفي المقطع الرابع نلتقي براحة البال في العشق ولقاء العشاق:( فتعالي نغزل الوقت وسائد/ ونريح الرأس من وساوس/ حلم لا يجيء ) بينما لا نجد أو لا نسمع صوت جرس صوت السين في المقطع الاول الذي عوضه الشاعر بجرس صوت الصاد في كلمة الصمت والحيرة وعدم جدوى الحياة دون عشق، فالصمت مع الحياة وبوح المشاعر بين العاشقينِ فقط، حيث نقرأ هذا من باكورة النص: (آه من صمت مجاهيل الدروب/وجهكِ الفضي بوصلة / وقلبي تيه المعبر/ إلامَ الصمت والدينا قطار/ والمقاصير التي اكتظت/ تدور بلا هوادة).
وفي نص «اشتهاء ..» الذي ينبلج عن العينين مرآة النفس ونقطة كشف الداخل المكنون منها، ليعبر الشاعر بصوره الفنية عن معادلاً موضوعياً كما يعرّفه ت. س أليوت، عن الاحساس بالجمال الروحي والمادي للمرأة في لحظة ما عابرة تكشفها نهاية النص بعد حرف العطف «الواو» الذي يعطف هذا المقطع الاخير من النص على ما قبله : ( والصباحات التي اكتظت وجوما/ أشرقت عن ضحكة وتناثر الضوء/ اشتهاء/ وتيقني للبحر آلاف العرائس/ وهو يمضي نحو ارض الجوع / أرغفة طريه) ففي هذا المقطع وظف الشاعر كامل حسن كناية البحر عن المكان الذي رأى فيه تلك المرأة، مشيراً بهذه الكناية الى كثرة ما يأتي به البحر وهي كناية مشهورة في الادب العربي للدالة على الكثرة، ومِن المتداول اليومي على اللسان العربي، إلا أن توظيف هذه الكناية على كثرة النساء بعد تغنج المرأة عليه هو ليتحرك الرجل الشرقي العربي في داخل الشاعر، فيكوّن صورة فنية واصفاً فيها مجمل صباحاته بالصمت، فلم يجذب انتباهه سوى ضحكتها التي اخترقت ذاك الصباح الصامت بل صمت المشاعر في داخله كما في أول النص:(صفقي بالرمش/ نار الشوق تخبو)، مما يجعل كناية البحر تأخذ معنى الجسد في الصورة الفنية بمعنى أصبح المكان جسداً حياً في لحظة انفلات الشعر، جسدا وفيرا بالمشاعر من خلال كثرة النساء فيه سر الحياة فيه، وكأنه هو يقول:(لستِ وحدكِ من بنات حواء هنا) بما يوضح معنى قوله أرغفة طرية في أخر النص نهاية هذا المقطع الذي استعمال فيه الشاعر جرس صوت السين فكلمة (عرائس) مع فعل الامر (تيقني) في (وتيقني للبحر آلاف العرائس) في هذا الاستعمال يشي النصُ بصدق التعبير الفني عن المشاعر لما سبقه من صور فنية، جاء فيها جرس صوت السين والفعل الدال على الحاضر والمستقبل (مضارع و أمر) الذي تبدأ به أكثر مقاطع النص الشعري بشعرية دالة على حركة المشاعر وصدق التعبير عنها ضمن حدود المعادل الموضوعي، بينما يبدأ المقطع الاخير هذا من النص بالاسم ( والصباحاتُ التي اكتظت وجوما) جملة اسمية تدل على الثبات في موقف الشاعر من المرأة التي تغزل بها، مثلما الاسم يدل على الثبات ولا يتأثر بالزمن، ثم ينتهي النص بجملة أسمية أيضا بعد «الواو» الحال وهي تفصح عن صاحب الحال (البحر ) في: ( وهو يمضي نحو أرض الجوع / أرغفةً طرية ) ليتركها هو بعد أن عبّر عن أعجابه لها.
أما باكورة نص « اشتهاء.» التي تبدأ في قراءة العنينينِ مع تلك الضحكة حيث الشاعر كامل حسن يوظف فعل الامر للدلالة على الحاضر فقط، بينما هي مَن صفّقت برمشيها وجذبته وخرقت صمت المشاعر في الشاعر، وهكذا عندما يعجب الرجل بحركة من المرأة يقول لها بصيغة الامر افعلي كذا تعبيرا عن اعجابه وطلبا منه هو باستمراره فعلها هي، فيرسم الشاعر صورته الفنية في المقطع الاول 🙁 صفقي بالرمش / نار الشوق تخبو / أنما السحر هنا / بين المقل.) في دهشة التلقي عند استعمال فعل الامر للتصفيق بالرمش فهو يطلب منها استمرارها لأن نار الشوق عنده تخبو، ولنا أن نتخيل أن الشاعر أشار بيده الى عينيها حين قال (أنما السحر هنا / بين المقل.) موظفاً الفعل الدال على الحركة والحدوث والتغيير مع الزمن في بداية المقطع ( فعل الامر :صفقي ..)، للدلالة على الجملة الفعلية في الحاضر ولتعبر عن مدلول متغير فيما بعد، تركه هو لها في نهاية النص كما تقدم، وعندما نسمع صوت جرس السين في مفردة( السحر) لتكوّن مدلولاً جماليا ضمن الصورة الفنية والرموش تصفق، من خلال تكرار جرس صوت السين في الصور الفنية التالية التي يكون جرس صوت السين نغما مميزا متواشج بالفنية والجمالية في تركيبة الجملة للمقاطع الشعرية من النص، وكذلك مرتبط بجملة نهاية النص ( وتيقني للبحر آلاف العرائس)، وفي المقطع الثاني :يقول هو ( وترفقي فالجرح تنكئه /استدارة وجنة / تحمّر من صلف القبل) تأتي ( استدارة وجنة ) ضمن فنية توظيف حياء النساء لحظة التقبيل بشراهة من الرجل، توظيفا جماليا عند الشاعر كامل حسن معبرا هو الاخر بوصفه الرجل عن جرحه من تلك الظاهرة الشراهة في تقبيل النساء، ثم يعطف بحرف العطف «الواو» الجملة الفعلية:( وتخاف كفاً راجفا ..) بدلالة حاضر الفعل المضارع (تخاف) يعطفه على الفعل المضارع (تحمّر: فاعله الوجنة)، فتكون (الوجنة) فاعل مستتر للفعل المضارع (تخاف …)، مكوّناً الشاعر صورته الفنية ترفض ظاهرة التحرش بالنساء من خلال مد اليد بعد مد العين الى الجسد في المقطع الثالث: (وتخاف كفاً راجفا يمتد في غلس / لبيت المال. يسرق لؤلؤة / ويميط عن نهديك أسوار الخجل)، نلحظ أن أغلب مقاطع النص الشعري عند الشاعر كامل حسن تبدأ بفعل مضارع أو فعل أمر دلالة على الحاضر الذي تحول الى مدلول شعري في صوره الفنية عن معادله الموضوعي، بصدق التعبير الفني عن تلك المشاعر، بينما يكون جرس الصوت السين في المقطع الثالث تعبيرا فنيا جماليا عن الوقت (غلس : نهاية ظلام الليل بداية ضوء الفجر ) في رفض التحرش بالمرأة وفي هذا الوقت تكون المرأة قريبة من الرجل مكانياً ونفسياً، وإلا كيف يمكن لرجل أن يمد يده الى وجنة مرأة دون أن تكون بهذا القرب، في هذا الوقت(غلس) الذي يفضي الى مدلول أعمق في رفض ظاهرة التحرش، ومفاده : حتى لو كانت المرأة بكل هذا القرب ولم ترضَ بالاقتراب منها، فهو تحرش أو اعتداء جنسي كما تشير الكثير من البحوث النفسية وغيرها . وفي بداية المقطع الرابع: يستعمل الشاعر للمرة الوحيدة فعل مضارع مجزوم بلا الناهية الجازمة (لا تنهري) في بناء صورته الفنية، بعد أن توافق هي على أن يقترب هو منها، ويدنو مِن صدرها في: (لا تنهري / طفل الربيع إذا أغرته/ أمطار العسل… وهو يصول بواحة غنّاء/ لثماً بربريا كلما هدأ استعر/ وإذا المساء تثاقلت خطواته/ والنادل المهموم ألقى الخمر / في الكأس ابتهاجا / فأعلمي ان المحطات استراحات / من عناء).
•لكَ وحدكَ أخلُعني، شعر كامل حسن، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2016، نص «اشتهاء.»، ص: 40، ونص « دعوة « ص 52.