وجدي الأهدل
هناك في المكان الذي يقع خلف الحياة والموت، وضعت الملائكة ميزاناً بكفتين، في الكفة الأولى يصعد الإنسان، وفي الثانية يوضع غرض واحد من اختياره.
وصل فلاح هزيل البنية وصعد على الكفة الأولى، وطلب أن يُوضع في الكفة الثانية جوال حنطة. فما هي إلا لحظات وإذا بالفلاح يطفو رويداً إلى الأعلى والكفة الأخرى تنزل الهوينى إلى الأسفل. قررت الملائكة أن هذا الرجل النحيل يستحق أن يذهب إلى الجنة.
أتت امرأة قصيرة القامة، حدباء الظهر من عكوفها الطويل على ماكينة الخياطة، وصعدت بارتباك إلى الكفة الأولى، وطلبت أن توضع لفة قماش في الكفة الأخرى، وتعجبت الملائكة حين رأوا كفتها تصعد إلى الأعلى بسرعة الصاروخ، وعلى الفور أرسلوها إلى الجنة.
جاء رجل معتوه لم يفعل شيئاً في حياته سوى التسوّل، صعد في الكفة الأولى، واختار لغباوته أن توضع قشة في الكفة الأخرى.. ومضت دقائق متوترة حتى أن المسكين دمعتْ عيناه وهمَّ بالنزول، ولكن فجأة أخذت كفته ترتفع إلى الأعلى، وارتطمت الكفة التي فيها القشة بالقاع محدثة دوياً موسيقياً عذباً.
شيعته الملائكة بالتصفيق حتى دخل الجنة.
تحمس الديكتاتور ورأى أن الفرصة مواتية، فخرج من مكمنه ووثب على كفة الميزان المخصصة للإنسان، فسألته الملائكة ما هو الشيء الذي يطلبه ليوضع في الكفة الأخرى؟ قال متذاكياً وفمه يتلمظ بابتسامة ماكرة «الكرة الأرضية».
ذهب ملاك من الجبابرة لتلبية طلبه. وُضع كوكب الأرض على الكفة الأخرى، وصعق الديكتاتور لأن الأرض لم تتمكن من رفعه فبقي قابعاً في الأسفل.
صرخ محتجاً: «كيف هذا.. نحن مليارات من البشر.. ألا نساوي عند الله شيئا؟؟».
ضحكتْ الملائكة وسخرت من تكتيكه في المغالطة وقلب الحقائق، الذي لطالما استخدمه بنجاح في حياته السابقة ويريد أن يستخدمه هنا أيضا.
أمسكه ذاك الملاك الجبار من قفاه وأخبره: «هذا الميزان يزن الأشياء بحسب مقدار محبتها في نفسك». وقذف به الملاك إلى الجحيم.
* كاتب يمني