نوزاد شيخاني .. العودة للجذور، المعالجة بطريقة مختلفة

فلم تورن TOREN
كاظم مرشد السلوم

لم يشأ المخرج الأيزيدي نوزاد شيخاني ان يتناول مأساة قوميته بطريقة تقليدية ، خصوصا الفترة العصيبة التي اجتاحت فيها عصابات داعش مناطق سهل نينوى وقتلت الالاف من الرجال وسبت واغتصبت النساء اللواتي هز اغتصابهن المجتمع الدولي ، حيث ذهب نوزاد الى حكاية اخرى تتعلق بمن هاجر من الأيزيدين خلال العقود الماضية ، ونسوا او تناسوا ابناء جلدتهم وتقاليدهم ، وانصهروا في بودقة المجتمعات التي عاشوا فيها ، وهو أمر يعتقده شيخاني امرا خطيرا ، بالنسبة الى قومية تعد أقلية في البلدان التي تتواجد فيها ومنها العراق.
تورن الجد، والإبن، وتورن الحفيد ثلاثة أجيال تحكي قصة شعب مضطهد ومهدد بالإنقراض بعد تعرضه الى 74 حملة إبادة. تورن صراع بين الموت والحياة، تصادم بين الحضارات والأديان، وصراع من أجل البقاء. تورن هي قصة البحث عن الإنتماء والتفاني الكامل في سبيل ذلك

الحكاية
تورن شاب أيزيدي هاجر وعائلته منذ فترة طويلة واستقروا في احد بلدان اوروبا الشرقية « جورجيا» نجح هناك كفنان تشكيلي مميز تباع لوحاته بأعلى الاسعار ، شاب يتبع غرائزه ، لهو وسهر دائم ، ناسيا او مهملا حتى عائلته التي تعيش في ذات البلد ، يتعرف على فتاة جميلة ويقع في حبها مبدئا استعداه لعمل كل شيء من اجلها ، متخليا عن حياة اللهو والتفرغ لها ولحبها بالكامل ، ويقرران الزواج ، فتصطدم هي برفض اهلها له ، كونه من ديانة اخرى وليس مسيحي ، لكنه يعلن عن استعداده التخلي عن ديانته وان يصبح مسيحيا ، مبررا ذلك انه اصلا لا يؤمن بالأديان ، تسير حياتهم هانئة ، الى ان يمرض تورون مرض يؤدي به الى الموت ، لكنه يرزق قبل ذلك بصبي ، ندمه ومحاولة اعادة العلاقة بينه وبين عائلته لا يجدي نفعا ، وان تعاطف اخاه معه ، في النهاية يموت ، ويأخذ اخاه الصبي تورن الى سنجار والشيخان حيث الناس قد خرجت للتو من أزمة اجتياح داعش ، ليتعرف على اصوله الدينية والقومية.

تأويل النص المرئي
يقول امبرتو ايكو، ان اللقاء التاريخي « الفكري وليس الفعلي» الذي جمعه مع شارل سندرس بورس، كان المفتاح الذي يفسر التحول الذي عرفه البحث السيميائي عنده، وسيصبح مفهوم التأويل (استنادا الى مقولة المؤول التي جاء بها بورس) الحلقة المركزية التي ستتكثف حولها كل الاجراءات التحليلية الخاصة بكل الوقائع الدالة بدأ من النصوص المكتوبة مرورا بالأنساق البصرية وانتهاء بكل الوقائع التي تشكل سند الحياة وعمقها الرمزي.
من يشاهد فلم «تورن» يجد نفسه امام حكاية عاطفية مع خط درامي مرادف يتحدث عن جذور البطل، فاذا كان مشاهدا عاديا، لا تعنيه الدلالات وليس معنيا بتأويل النص البصري، لكن التصدي للكتابة عن هذا النص، يتطلب تأويله من خلال العلامات والدلالات التي ارسلها.
لم نعرف تفاصيل ديانة وقومية تورن، الا بعد ان عرف بمرض جدته وزارها، هنا الجدة علامة ودلالة، جدة مازالت متمسكة بجذورها، لا يمكن ان تتخلى عنها ، رغم انها تعيش في بلد غريب، وتعطي لتورن، حرزا من تلك التي يستعملها الناس في الشيخان أو سنجار هذا الحرز موجود في كل الديانات له دلالته ولكل ديانة حرز او علامة تمثلها ،الاخ الكبير لتورن هو الاخر علامة أو دلالة على أولئك الذين لا تغيرهم العيش في مجتمعات اخرى، وبالتالي لا ينسون او يتناسون جذورهم ، فممكن جدا للشخص ان يتناسى، لكن لا يمكن له ان ينسى، وهذا ما حصل مع تورن في الوقت الذي قربت فيه نهايته .
المخرج شيخاني أوصل رسالته من خلال التعرض لحياة شاب، متمرد الى ابعد الحدود ، لكنه يصل في النهاية الى نقطة بدايته الأولى، الى الجذور الايزيدية التي ينتمي اليها ، كذلك اوصل شيخاني ان شعب مثل الشعب الأيزيدي، ممكن ان يتلاشي ويمحى من الوجود، لو اثرت الحروب والانتهاكات وكذلك الهجرة على تماسكه، لذلك لا بد من العودة الى الجذور، لذلك نشاهد في المشاهد الاخيرة الصبي تورن مع امه في المعابد الايزيدية، ويصنع مشاهد لحركة الناس هناك، ومحاولتهم نسيان ما جرى والنهوض من جديد، تحمل الكثير من الأمل في عودة الحياة الطبيعية .

الاشتغال
استطاع نوزاد شيخاني تحريك ابطاله وفقا لرؤيته، والخط الدرامي الذي تبناه، فنجح في ذلك الى حد كبير، ساعده في ذلك استجابة أبطال فلمه، وفهمهم لما يريد، فجاء أداء ايميدا ارابولي، كريستينا جيجينادزي، مقنعا جدا.
كذلك تحركت كاميرته بشكل جيد، وهي التي كان يحملها وهو وبالتالي عرف كيف يتعامل معها وفقا للغرض الذي اراد، متناغما مع الخط الدرامي الذي تبناه وقام بكتابته السيناريو والحوار له بالاشتراك مع جاسو اوسمانوفي.
اذا كانت ثمة ملاحظة ما على الفلم، فهي على دبلجة الفلم الى اللهجة الشامية، والتي افقدت الفلم البيئة التي ينتمي اليها، فكما هو معروف ان الشعب الأيزيدي يتكلم لغة خاصة به، وابطال الفلم يتحدثون لغة البلد التي يعيشون فيه، وتورن وعائلته يفترض ان يتحدثون لغتهم فما هو الداعي للدبلجة، اعتقد لو كانت هناك ترجمة للعربية لكانت افضل بكثير من الدبلجة التي كما قلت تشعر المشاهد ببيئة أخرى.
يقول شيخاني،»تورن» فلم عن الشعوب التي تتعرض الى الحروب والقمع والمذابح وتهجيرهم قسرا من أوطانهم، وتشتتهم في بقاع العالم وإندماجهم أو إنحلالهم في مجتمعات متفرقة وغريبة على عاداتهم وتقاليدهم، تؤدي الى فقدان هويتهم وتعرضهم الى خطر لانقراض من خلال تجسيد قصة مأساة الإيزيديين نتيجة حملات الابادة الجماعية المستمرة التي ترتكب بحقهم عبر التاريخ وهروب الناجين منهم بحثا عن أوطان تحميهم.
صورت أحداث الفلم بين العاصمة الجورجية تبليسي وبين مدينة باتومي الواقعة على البحر الأسود من جهة وبين معبد (لالش) في العراق الذي يعتبر المعبد الرئيسي لعموم الايزيديين في العالم من جهة أخرى.
حصد العديد من الجوائز مثل جائزة الثعلب الذهبي لعام 2019 في الهند، وجائزة أفضل فيلم روائي أجنبي طويل، وجائزة أفضل سينماتوغراف في مهرجان هوليوود الدولي للأفلام السينمائية في كاليفورنيا.
اعتقد ان المخرج نوزاد شيخاني يتوفر على الامكانية الذهنية والفنية التي تؤهله لصنع افلام جديدة، مع توفر المواضيع التي يعج بها الواقع العراقي على خارطة خطوط جغرافيته، وهو ما يحتاجه اي مخرج.

كادر العمل
قصة وسيناريو وحوار، نوزاد شيخاني، مديرة الانتاج، كيتيفان جانيليدزي، موسيقى تصويرية، محمد أسامة، إنارة، تنكيز كوكيبؤيدزي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة