عندما أتحدث عن الإصلاح والتغيير، بنحوٍ يبدو متشائما أو يائسا أحياناً، لغير القليل ممن تلبستهم حمى الإصلاح والتغيير والثورة؛ فذلك لأن هذه الأهداف كانت وما زالت نصب عيني، وهي غالباً ما تراود العقول والضمائر غير الملوثة. أكثر من أربعين عاماً من النشاط في سبيل ذلك، داخل الوطن بالضد من الظلم والإجرام المنظّم للنظام المباد، ومن ثم نهاية السبعينيات في المنافي، والتي تعرفت فيها على الواقع المؤلم لما كان يعرف بفصائل المعارضة العراقية (المسلّحة منها في كردستان أو مكاتبها وفروعها في سوريا وإيران) ومن ثم العودة الى الوطن العام 2003 بعد سقوط النظام المباد مباشرة. لقد تابعت تطور الأحداث منذ لحظة التغيير قبل 14 عاماً عبر مئات المقالات والأعمدة المنشورة في الصحف العراقية ولا سيما “الصباح الجديد” حذرت فيها من التعويل كثيراً على هذه القوى والزعامات التي تلقفت مقاليد الأمور بعد ما أطلقت عليه بـ (حقبة الفتح الديمقراطي المبين) وهي إشارة الى طبيعة تلك القوى ونوع فهمها لمرحلة ما بعد زوال النظام. لقد دعوت بوضوح الى عدم التفريط بالدعم الأممي وإسهامه ودوره في مساعدتنا لتجاوز مرحلة الانتقال، استناداً للمعرفة العميقة والمباشرة لشتى الفصائل والمجاميع التي تنطعت لمثل تلك المهمات من دون وجع من قلب أو ضمير. وها نحن اليوم نتجرع مرارة الهرولة خلف عجاج الشعارات الديماغوجية والشعبوية التي أطلقت وحظيت بدعم لا مثيل له من دول الجوار، والتي لم يتعاطف أي منها مع مشروع إعادة بناء الدولة العراقية على أساس الديمقراطية والتعددية والحداثة والحريات.
من سوء حظ سكان هذا الوطن القديم، أن تقع مثل هذه الفرصة التأريخية “للتغيير” بيد جماعات الإسلام السياسي من كلا الصوبين (سنة وشيعة) والاحزاب ذات الخطاب القومي والفئوي الضيق، إذ انحدروا بعملية التحولات المفترضة الى حافة الهاوية، وهي نتيجة متوقعة لنزاعاتهم على الغنيمة وإعادة تقاسم الأسلاب، وهم أبعد ما يكون عن كل ما له صلة بمشاريع الإصلاح والتغيير. أما ما يطلق عليه بـ (التيار المدني) والذي أسس لنوع من تقاليد الاحتجاج لم تعرفها سلالات بني آدم من قبل، أي تظاهرات يوم الجمعة والتي أقلقت راحة جواد سليم الخالدة (نصب الحرية) بهتافها المرعب (جمعة وره جمعة والفاسد انطلعه)؛ فلا ندري ما الذي يشير له عنوانهم ذاك، فلا وجود لأي شيء يشبه التيار لديهم ولا معنى واضح لمفردة (المدني) ولولا انخراط التيار الصدري في طقوس جمعة ساحة التحرير، لأصبحت الساحة ملاذا لأصحاب الحاجات والمطالب والشكاوى المحدودة كما شاهدنا جميعاً.
إن الفرق شاسع بين ترديد شعارات الإصلاح والتغيير والإمكانية الفعلية لتحويلها الى واقع، ويمكننا عبر الاستماع الى تصريحات نجومها الحاليين من شتى العقائد والاتجاهات، التأكد من حجم المتاهة على هذا الطريق، عندما يعجزون عن توضيح الدوافع الفعلية لحماستهم هذه ونوع الإصلاح والتحول الذي يريدونه. لا أحد ينكر حاجتنا للإصلاح، لكن وعيه وأدواته وقيمه وشخصياته لم تظهر بعد، ولن تجدي نفعاً كل محاولات تقمّص هذه الأدوار، وادعاء البطولة والإيثار في المكان والزمان غير المناسبين، لا سيما من المخلوقات المسكونة بعشق الأضواء والمنابر والمنصات، في وقت يرحل الجنود المجهولون بصمت ومن دون وداع يليق بهم، تاركين أسرهم وأحبائهم الى مصائر مجهولة..
جمال جصاني
ما علاقتكم بالإصلاح؟
التعليقات مغلقة