ترجمة أكرم قطريب
طريق ترابي معلق بالسماء
لأجل الأربعين جنديًا في فيلق فالميناتا
لأجل الخوف والغفران والإيمان:
ابنِ عشًا في الوسط
ثم صبّ الحليب
فكّر في بحيرة سيفاستا المجمّدة
وهي تحتضن الشهداء
دع رغوة الخميرة تصبح زهرة حارة
اكسر البيض
فكّر في الأذرع والرقاب التي هوت عليها المطارق
أضف قشور الليمون على تيجان القديسين المتوهجة
فكّر في ذوبان الجليد على أجساد الجنود
الزبدة الذائبه..
امزجها مع الزيت
حتى يتكلّم العجين ويتنفس المذاق
أضف السكّر،
رشة ملح من الصبر..
اتركه قرب الفرن كي يختمر
اصنع ثمانية أشكال لتبدو أحيانًا
مثل البشر مع رؤوس وبطون مضفرة
فرشاة مع البيض المخفوق
سيذهب الجنود من فيلق فالميناتا مباشرة إلى النار
أغرقهم بالعسل ورُشّ عليهم الجوز
فكّر في المنسيين والمفقودين الذين اختفوا إلى الأبد
استدع الأسماء غير المعروفة
لأجلهم اقطع قالب الكاتو
وتناول شيئًا منه
اطلب الصفح من كل هذا الرحيل
ومن الوحدة التي عاشت قبلنا ثم اختفت
تحت الطاولة بجانب الباب
بالأقدام الكثيرة تركنا آثار خطوات
كنا الفتات وننتظر أحدًا أن ينظفه
حلمنا بالهرب
بالركض بعيدًا
محمولين على ظهور النمل إلى المستعمرات
لكننا لا نمتلك جوازات سفر
كنا عناقيد العنب الصغيرة التي في السلال
تحت الطاولة بجانب الباب
بانتظار أن يتم سحقنا
الحزن
قلبي يرتدي منديلًا أسودَ
ليس لأجل رَجُلي
ليس لأجل أبنائي
بل من أجل أرضنا هذه التي لا تريدنا بعد الآن
بعض الرجال ركضوا
واختبأوا في الجبال
الآخرون تم اعتقالهم في الليل
بقيت النسوة فقط تنحني على القبور
وتصغي لصفير الحقول المهجورة
لا يمكننا إخبار أحدٍ بما حدث
وإلا سيكون مصيرنا الموت
لكن يومًا ما ستمشي حفيدتي في هذه الحقول
المحشوة بالعظام، وبدلًا من القمح
ستطلع الحقيقة من الأرض
العصر الذهبي
كانت الثروة تُقاس بالقهوة والحليب وحساء الدجاج
وأيام الأغنياء مصنوعة من الشوكولاتة المستوردة
وبخاخات تصفيف الشعر
بينما أيام الفقراء مصنوعة من الشاي البارد
والهواء الذي يلسع
في شوارع المدينة يمشي القديسون بلا أحذية
ذلك الوقت الذي لم يتحدث أو يحتج فيه أحد
لكن الجميع صفّق وغنّى
اكتشفنا من الأخبار
أننا كنا سعداء
المنحوتات تبدو قديمة
ثمانية عشر رجلًا وامرأة
في مجموعة يمكن أن تسمها ما شئت:
عائلة كبيرة، أو أصدقاء
أو غرباء حكم عليهم معًا
إنهم يواجهون الجدار الذي يفصلهم عن الجحيم
ولا أحد منهم ينظر إلى السماء
أو لتلك الندبات التي تسمى الغيوم
بعض الرؤوس منحنية كما لو كانت تصلّي لأجلنا
أو لأجل أن يبقوا على قيد الحياة
لا شيء يوجد هنا
فقط أحجار الطوب وقذائف الهاون
أطفال المدارس والسيّاح الذين يلتقطون الصور
البطون الضامرة
والأفواه المفتوحة بلا ألسنة
لكنهم يحركون شفاههم..
يتكلمون، هل يمكنك سماعهم؟
يأتون برسالة من المقابر الجماعية..
يأتون من التاريخ ليشهدوا ويسموا الأسماء
يحملون غبار الأزمنة الماضية..
ولا يطلبون شيئًا آخر.
يعلموننا لا شيء حول البقاء
لا دروس هنا حول المغفرة
الخسارة أو الخوف
يغسل المطر الدم المتخثر على أجسادهم
حتى لا يبقى أي أثر
يسيرون في صمت بمحاذاة الجدار
النسيان يقتلهم مرة أخرى
* كلوديا سيريا شاعرة رومانية المولد تقيم في أميركا.
يعكس شعرها حقبة الثمانينيات الشيوعية في رومانيا. قصائد هي جزء من الحياة اليومية لتلك الفترة، تخال أحيانًا أن هذه الأطياف ليست بمنأى عن مُناخات عالمنا العربي وأصدائه القديمة والحديثة، حتى لتبدو ظلالها امتدادًا لها: الألم والتمزقات المجتمعية التي تسمع أصداءها بين الخطوط والكلمات.
تلك الفترة الشمولية بقيت بصماتها وتأثيراتها إلى يومنا هذا بالرغم من أفولها طيلة هذه السنوات. هاجرت كلوديا سيريا إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1995. لها خمس مجموعات شعرية صدرت بين مونتريال ونيويورك.