خيط من ذهب مهاب نصر

أبي كان عصفورا مؤمنا بالشمس
أنا أيضا
أضع نفسي في خدمة الفكرة نفسها
وإلى النهاية
لا أعشاش، ولا أشجار
أعض على خيط من ذهب
يفلت من بَكَرة هائلة
أطير وفي قلبي وخز خفيف
كأنما منه أنتزع خيوطي


بعت أحزمة وحقائب
و»محافظ» من جلود السحالي والثعابين
أنا الذي لم ير تمساحا في حياته
وضعت رأسي بين فكين
ليصدق صاحب المتجر
أن بضاعتي سُلخت من لحم حقيقي
أساوم على صرخة لم تُسمع
ماذا فعلت بنفسي؟
أنا منسيٌّ تماما
وأقول: ما رأيك بهذا؟
الآن أيضا
أضع نفسي وراء كلمة
سُلخت من تلويحة وداع
أجفف عرقا
له رائحة وحشية كالدباغة الجديدة


ألاحظتِ ذلك؟
وأنا معكِ أكون جادا
لدرجة أن كفي تعبث بكل ما تجده
وحينما ننهض
لا يكون على الطاولة شيء في مكانه
أختلس التفاتة إلى الوراء
وأنا أهز رأسي بمعنى: «أفهمك»
..
أهذا أنا؟!
أكنت سعيدا إلى هذه الدرجة؟!


هنا على السطح
قاذفو الأحجار والشتامون والعرايا
حاصدو الإعجاب
لا بيت لهم فعلا.
يمكنك صيدهم كالأسماك الطائرة
كومة حزينة في قارب
في الليل يضيء وجوهَهم ضوءُ الهواتف الخاشع
مثل بقعة دائرية على مسرح
حينما يخمد الضوء
يمكنك في جهة أخرى
أن ترى أرواحهم العالقة
كما في مطهر أبدي


الصباح عندي
كان يبدأ بعصفور الجيران
ـ أمك.. وأبوك.. دينك ودين أهلك
ثم ضربات سريعة
وتسقط ريشتان في الشمس
كنا سعداء
السماء عالية
والسحب مرسومة بأقلام خشبية
على هيئة أقفاص
الماء في المِسقاة
ومناقيرنا على الوسائد
أما الطيران
فيسمع في الليل
كمناجاة في حلم


في هذا الوقت من العام
كنت أفضل أن أتحدث عن البجعات
عن الخفقة الثقيلة
التي تجعل سطح البحيرة ينتفض
كأنه يتبين عريه في حلم
في هذا الوقت من العام
كان رجل وامرأة يرقصان التويست
وللجيتار عفقة
تشبه صيحة زاحفة على وجه الماء
في هذا الوقت من العام
كانت العصافير آمنة حتى بين فكي فرس النهر
والأطفال يأكلون ثمار البطاطا
هذا الوقت كنا، مع هذا، نسميه: الشتاء
تصور! حتى أيامها كنا نتوقع الحزن
نغطي رؤوسنا ليس من البرد وحده
وفي بقعة ما من الليل
نستيقظ بالرعدة نفسها
لبحيرة في العراء


أصدّق أن للإنسان روحا
هي ما يظل يومض في عينيك لثوان
بعد أن تطفئ مصباحا.
للطريق من غرفة النوم إلى الحمام روح أيضا
حيث يمكنك تخيل اليوم كله
من حركة قدمين حافيتين.
للنهار فيما وراء الحائط روح
حتى إنك تفرك جبهتك منذ الآن
كمن يقضي حياته في سجن
يقول صديقي: «أنا لا روح لي»، ويضحك
هذا لا يزعجني
فالأكثر حساسية تخلصوا من الروح فعلا
إنهم ليسوا في حاجة إلى مصابيح
وفي طريقهم من غرفة النوم إلى الحمام
يغمغمون بأغنية
حيث يفرش النهار الصالة كلها
وكأنه يتأهب لضيف

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة