حارث حسن القرعاوي*
تم تهميش قطاعات بارزة من المجتمع العراقي خلال السنوات الثماني الماضية التي أمضاها رئيس الوزراء العراقي المنتهية صلاحيته، نوري المالكي، في الحكم. والواقع هو أن المالكي أحدث انقسامات عميقة في البلاد، إلا أنه لا يُلام على جميع الويلات التي عصفت بالبلاد، كما أن عملية استبداله برئيس وزراء جديد تُعدّ الخطوة الأولى من عملية شاقة لإصلاح نظام الحكم في العراق.
وإذا كان هناك تصميم على تشكيل حكومة فعّالة خلال شهر، فعلى رئيس الوزراء المكلف، حيدر العبادي، والنخب السياسية الأخرى الأخذ بعين الاعتبار أهمية تمثيل كل الفئات السياسية في الحكومة وبناء مؤسسات قوية لمنع ظهور نظام استبدادي جديد.
وفي السياق العراقي، فأن عملية تمثيل جميع الفئات عادة ما تتم من خلال إعطاء كل حزب حصة من المناصب الوزارية تساوي نسبة المقاعد البرلمانية التي حاز عليها في الانتخابات، وهذا النظام أنتج سنة 2010 حكومة مؤلفة من 38 وزارة. بيد أن تلك الحكومة لم تكن شاملة بتاتًا، ونتيجةً لذلك، اشتعل جدال سياسي رافقه تنافس على السلطة بين أعضاء الحكومة، كما تم تهميش البرلمان. هذه الأزمة السياسية عزّزت مكانة المالكي الذي لجأ إلى سياسات أكثر استبداداً.
ففي الفترات التي أخفقت فيها الأحزاب في التوصل إلى مرشحين توافقيين قام المالكي بملء المناصب بشخصيات موالية له وشكّل بذلك ما يشبه حكومة ظل ترفع التقارير له مباشرةً. إضافة إلى ذلك، فإن الانقسامات داخل الحكومة سمحت للمالكي بأن يقدم نفسه كقائد يسعى لحكومة قوية فيما الآخرون يعرقلون مسعاه، وبذلك حصل على تعاطف عدد كبير من العراقيين.
من بين المشكلات التي افتعلها المالكي هي أنه حاول إعادة المركزية إلى السياسة العراقية. فلم يميز بين سلطة الدولة وسلطته الشخصية ولجأ إلى الترغيب والترهيب، وهذا الأمر أضعف الدولة العراقية. ففشل المالكي في معالجة أي من المشكلات الكبرى في العراق بشكل جدي، بما في ذلك التمرّد السني والنزاع بين بغداد وإربيل، وإضافة إلى الفساد المستشري.
التحدي الرئيسي الذي واجهته الحكومات العراقية المتتالية في مرحلة ما بعد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كان في كيفية دمج المجتمع السني في مؤسسات الدولة. وأتى تهميش السنة نتيجةً لسياسات الحكومات التي سيطر عليها الشيعة، وأيضاً بسبب الأعمال التي تقوم بها مجموعات متمردة- كتنظيم القاعدة، ومؤخرًا «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) التي تسيطر اليوم على معظم المناطق ذات الغالبية السنية في العراق. فإن السياسات التمييزية أدّت ببعض السنة إلى دعم الأعمال العنيفة التي طالت المدنيين الشيعة، ما دفع بدوره الشيعة إلى غض النظر عن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية بحق السنة. لهذا الأمر، يتوجب على الحكومة المقبلة كسر هذه الحلقة المفرغة .
يجب ان يكون الهدف الرئيسي للعبادي إقناع المواطنين السنة أن الحكومة الجديدة ستمثلهم وتستوعبهم. في الواقع، هذا الأمر ضروري كي ينقلب سنة العراق ضد «داعش» أو «الدولة الإسلامية» وهو أمر ينبغي أن يحظى بأولوية الحكومة والمجتمع الدولي. كما يجب إلغاء القوانين والأحكام التي تعوق التمثيل السني الحقيقي في المؤسسات الحكومية؛ فمثلاً يجب انهاء نظام اجتثاث البعثي. إضافة الى ذلك، على المشرعين العراقيين الموافقة على مشروع قانون عفو عام عن المقاتلين السابقين، باستثناء الذين ارتكبوا هجمات إرهابية، وهذا كان أحد أبرز مطالب المعارضين السنة العام الماضي.
نظرًا إلى أن أكثرية العراقيين هم من الشيعة، فإنه من المرجح أن يقوم سياسيون شيعة بقيادة أي حكومة منتخبة ديمقراطيًّا، وعلى العراقيين السنة تقبل هذا الامر. لكن في الوقت نفسه، على مؤسسات الدولة تجنب الانحياز الطائفي وعدم القيام بتهميش السنة كما حصل في فترة حكم المالكي، والا سيبقى السنة غير راضين ويواصلون دعم التمرد على الحكومة.
إلا أن هذا لا يعني أن قيام اقليم سني مستقل ستصلح الوضع. فهو في الواقع قد يزيده سوءًا ويعمّق الانقسام الطائفي. ولتجنب مثل هذه الحالة، على الحكومة العراقية أن تنقل عملية التحكم ببعض الأمور، مثل الحوكمة والاقتصاد والأمن الداخلي، من بغداد إلى المحافظات الأخرى. فهذا سيمهد الطريق نحو نظام فدرالي فعّال في العراق كما أنه قد يساعد على التخفيف من الانقسام الأثني والديني المتنامي في البلاد.
على الرغم من جميع الصعاب، فإن نظاماً قائماً على اللامركزية سيولّد حكومة شاملة وديمقراطية وفعاّلة، وغياب مثل هذه الخطوة سيعزز الاستبداد وسياسات التهميش في العراق.
*زميل في معهد رادكليف في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب فلنتخيل الأمة: القومية والطائفية والصراعات الاجتماعية والسياسية في العراق