الخوف من الجمهورية إلى الخـلافـة

جمال جصاني

 

 

لن نبتعد عن الموضوعية كثيراً عندما نقول (ان الخوف جامع للمساوئ) وهذه الحقيقة عاشها سكان اقدم الاوطان طيلة اربعة عقود مما عرف بـ(جمهورية الخوف)، والتي اجبرتهم على اظهار ابشع ما لديهم من خصال وممارسات قيمية وسلوكية. ذلك النظام الذي حول تضاريس الوطن الى حقول مترامية من المقابر الجماعية والانتهاكات التي لم يعرف التاريخ البشري لها مثيلاً، ما زالت فلوله وبالرغم من مرور أكثر من عقد على سقوطه المخزي، تحاول اعادة الروح الى رممه النتنة، وكل من تابع مجرى الاحداث منذ لحظة سقوط مارشال الاصنام في ساحة الفردوس الى لحظة الاعلان عن ولادة الخلافة في ثاني كبرى المدن العراقية (الموصل)؛ يدرك نوع الوظائف المدمرة التي نضحت عن مؤسسة الخوف هذه. ان التحدي الحقيقي الذي يواجهنا جميعاً نحن سكان هذه المضارب المنكوبة بفايروسات الخوف المتعددة الأشكال والوظائف، هو امتلاك الهمة والاستعداد لمواجهة هذا الغول وشبكاته الاخطبوطية المتسللة لتفاصيل حياتنا الفردية والجمعية. ومثل هذا الوعي والاستعداد يحتاج الى تغيير شامل في سلم الاولويات السائدة اليوم، والتي تضع حثالات البشر ممن لا يجيدون غير القتل وانتهاك حقوق وحريات الآخرين، على رأس الهرم السياسي والاجتماعي تحت ذرائع شتى، في حين تقبع الشخصيات المتنافرة ومثل هذه المواهب العدائية في قعره.
مهمة تجفيف منابع هذا الفايروس القاتل، يحتاج اولاً الى ملاكات وطنية غير ملوثة بأدرانه وتحظى بالدعم الاممي المطلوب، خاصة مع الاطوار الجديدة لشراهته التي تجاوزت التضاريس المحلية والاقليمية، ببركة تقنيات العولمة وشبكات التواصل الاجتماعي التي اصبحت مرتعاً لسدنة عقائد الهلوسة والتشرذم والهذيان في عالم يزداد تراصاً.
والمفارقة المؤلمة تكمن في هذا اللاتوازن الصارخ، بين حاجات عصرنا التي تدفع نحو المزيد من الحداثة والعقلانية والثقة ومد الجسور الى الآخر المختلف، والهيمنة الفعلية للضد النوعي لمثل هذه الحاجات الحيوية على وسائل الاعلام والتواصل، حيث يندر الحصول على منبر أو قناة أو اذاعة تكرس نشاطها لنصرة قضايا النهضة والتنوير في هذه المضارب المنكوبة. أما ما يشاع عن فشل التجارب العلمانية، وضرورة منح الفرصة للجماعات الاسلاموية كي تجرب حظها على سكان هذه المختبرات القديمة، فهي تعد بحق (ام الاكاذيب) والتي تقف خلف غير القليل من متاهات المشهد الراهن. مع داعش سقطت آخر أوراق التوت عن فرسان ذلك الارث الطويل من القهر والخوف والأكاذيب، فالممارسات والسلوك المنحط نفسه، والشعارات والبيارغ والسلالات الدموية التي اسست «جمهورية الخوف» حشدت فلولها واعادت اصطفاف جنرالاتها وشبكات اجهزتها المنحلة لتتحف العالم بنسختها المبتكرة من «خلافة الخوف».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة