أفعال كوريا الشمالية أم أقوال الولايات المتحدة؟

كريستوفر هيل
مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق لشرق آسيا
بدا أن القمة المزمعة في سنغافورة بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون معلقة بخيوط واهية. ما تزال المحادثات جارية، لكن الكوريين الشماليين عبروا عن أفكار أخرى، وذلك بسبب تصريحات إدارة ترامب التي تشير إلى أنه من المتوقع أن تصبح كوريا الشمالية خالية من الأسلحة النووية مقابل وعد الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات.
وعلاوة على ذلك، يشعر الكوريون الشماليون بالقلق أيضاً إزاء التعليقات التي أدلى بها جون بولتون، مستشار الأمن القومي لدى ترامب، وهو عدو قديم – لم يعجز أبدا عن اٍهانة الآخرين – أطلق عليه الشمال في السابق اسم «حثالة بشرية». في الأسابيع الأخيرة، أشار بولتون اٍلى أن المحادثات مع كوريا الشمالية يمكن أن تتبع ما يسميه ب «نموذج ليبيا» – وهو اختزال سهل لبلد يتخلى ببساطة عن برنامجه النووي بمقابل بسيط.
وعلى عكس رواية بولتون الكرتونية، كان الزعيم الليبي السابق معمر القذافي يتفاوض بهدوء مع الأوروبيين والولايات المتحدة لسنوات قبل التخلي عن أسلحته النووية في عام 2003، وقد تلقى التزامات أمنية ومساعدات في المقابل. لكن المشكلة الأكبر في رسالة بولتون، بالنسبة لبقية العالم، تكمن في إشارة «نموذج ليبيا» إلى الحملة الجوية لحلف شمال الأطلسي عام 2011، والتي سمحت للمتمردين بالإطاحة بنظام القذافي. انتهى تدخل حلف الناتو بمقتل القذافي والتمثيل بجثته في شوارع مدينة سرت الليبية بينما كان العالم – ولاسيما الكوريون الشماليون – يشاهدون.
أيا كان مقصد بولتون من رسالته، فقد نحى ترامب تصريحاته جانباً، وأكد على أنه لن يتم الأخذ « ‹بالنموذج الليبي› مع كوريا الشمالية». ومع ذلك، يبقى أن نرى ما الذي يفكر به ترامب بالفعل بشأن القمة. فقد انتقد أسلافه بشدة عندما عرضوا تخفيف عقوبات كوريا الشمالية في الماضي. واستبعد بحكمة خفض القوات الاميركية في كوريا الجنوبية كبادرة مؤقتة. لكن السؤال المطروح الآن: كيف يعتزم ترامب إقناع نظام كيم بالتخلي عن هويته الأساسية كدولة نووية؟
في الواقع، كانت أحد التكتيكات التفاوضية لإدارة ترامب تكمن في عروض الصداقة والكلمات الدافئة، والتي لم يسبق للمسؤولين الأميركيين توجيهها إلى زعماء كوريا الشمالية.
عندما كنتُ ممثلاً لإدارة جورج دبليو بوش في المحادثات السداسية في عام 2005، قمتُ بكتابة تعليمات بعدم المشاركة في أي عشاء أو ارتباطات اجتماعية أخرى مع الكوريين الشماليين، أو حتى رفع كوب في أي نخب يتضمن ممثلين لكوريا الشمالية. كان من المقرر إجراء تفاعلات مع المسؤولين الكوريين الشماليين بحضور المرافقين الصينيين. وقد تم التخلي عن سياسة التفاهة القسرية هذه خلال الجولات اللاحقة من تلك المحادثات، ومن الجيد أن نرى أن وزير الدولة مايك بومبيو لم يحييها في لقاءاته مع الكوريين الشماليين حتى الآن.
وفي القمة المقبلة، من المرجح أن ترفض إدارة ترامب احتمال التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الكورية 1950-1953 والاعتراف بالدولة الكورية الشمالية. هذا المخطط ليس جديدا. فقد جاء في البيان المشترك الصادر في أيلول / سبتمبر 2005 عن المحادثات السداسية أن «الأطراف ذات الصلة المباشرة [ليس روسيا أو اليابان] ستتفاوض بشأن نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية»، وأن كوريا الشمالية والولايات المتحدة ستعملان معا «على احترام سيادة بعضهم البعض، والعيش سوية بسلام، واتخاذ خطوات لتطبيع علاقاتهم».
في ذلك الوقت، اقترحت الصين – التي تشير إلى تجربتها الخاصة مع الولايات المتحدة – أن تقوم كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بفتح مكتب دبلوماسي في عاصمة الأخرى. وبينما استغرق الأمر بعض الوقت، حصلتُ على إذن من إدارة بوش بتقديم هذا العرض للكوريين الشماليين. وقد أجابوا بسرعة شديدة بـ «لا، شكراً لكم». وبالمثل، لم يكن هناك أي اهتمام لعقد اتفاقية السلام. وكما لاحظ أحد أعضاء وفدنا المشترك بين الوكالات، «يبدو أنهم مهتمون بالأشياء حتى يتبين عكس ذلك».
بالطبع، نحن نعرف ما الذي يهتم به الكوريون الشماليون حقا. ونتيجة للعقوبات، كان النظام بحاجة ماسة إلى وقود ثقيل لأغراض التدفئة. وقد وافقت الولايات المتحدة وأطراف أخرى في المحادثات على تسليم شحنات الوقود مقابل خطوات تدريجية نحو نزع الأسلحة النووية، بما في ذلك تعطيل المفاعل النووي في يونغبيون. باللغة الدبلوماسية في ذلك الوقت، تمت الإشارة إلى ذلك على أنه «عمل مقابل عمل».
وأخيرا، انهارت العملية السداسية برمتها بشأن مسألة التحقق، عندما رفض الشمال منح المفتشين إمكانية الوصول إلى مواقع لم تكن مدرجة في إعلانها السابق للمنشآت النووية. مع اقتراب القمة، سيحتاج ترامب ومستشاروه إلى تحديد ما إذا كان الكوريون الشماليون ينظرون إلى مسألة التحقق بطريقة مختلفة عما كانوا يفعلون قبل عشر سنوات.
إذا تمكن ترامب من التوصل إلى اتفاق على أساس «العمل مقابل الكلام»، فإنه سيبرهن فعلاً على «فن الصفقة». لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل الكوريون الشماليون جادون في ذلك؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة