ترامب: من «أميركا أولاً» الى.. «إسرائيل أولاً»!

هاني حبيب
ينشر بالاتفاق مع صحيفة الأيام الفلسطينية.
ليس مجرد تخلٍّ عن اتفاق أو انسحاب منه، بل هو ضربة موجعة للعلاقات الدولية في الصميم، ومتغير بالغ الخطورة يكاد يوازي سقوط جدار برلين عام 1989، وسقوط بنايتي مركز التجارة الدولي في نيويورك عام 2001، والحرب التي قادتها أميركا على العراق عام 2003، كل هذه الأحداث أدت بالعلاقات الدولية إلى مزيد من الفوضى والحروب، قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ربما يشكل أخطر تهديد للعلاقات الدولية في السنوات الأخيرة، وسيترك آثاره السياسية والاقتصادية والعسكرية ـ الأمنية، على مجمل هذه العلاقات، عوضاً عن أن هذا القرار يسجل سابقة بالغة الخطورة على مدى ثقة المجتمع الدولي إزاء الاتفاقيات والمعاهدات، بالنظر إلى أن هذا القرار جاء من طرف واحد، قام بالفعل بالتوقيع على الاتفاقية، وثم أيضاً برغم معارضة جميع الأطراف الموقعة عليه بعد إدارة ظهر واشنطن لكل محاولات هذه الأطراف لعدم اتخاذه.
هذا القرار، يتزامن مع تجديد وزيادة العقوبات الأميركية على إيران، إلاّ أن هذه العقوبات ستطال في الجوهر حلفاء أميركا في أوروبا، عوضاً عن أنها ستطال الاقتصاد الأميركي من خلال الشركات والمصارف والمصانع الأميركية التي تتبادل التجارة مع الدول الأوروبية، كما مع إيران خلال الفترة من توقيع الاتفاق عام 2005 وحتى قرار الانسحاب الأميركي منه، الجميع سيتضرر من هذا القرار باستثناء إسرائيل وبعض الدول العربية الخليجية التي لم تكتف بالتعبير عن شماتتها بإيران، بل بالغت في الحماس عندما قامت إسرائيل بضرب بعض المواقع العسكرية في سورية، مستفيدة من الأجواء التي سادت إثر اتخاذ القرار المشار إليه!
لم يكن الرئيس الأميركي بحاجة إلى «الدلائل» التي قدمها رئيس الحكومة الإسرائيلية في اطار عرض مسرحية درامية حول عدم التزام إيران بالاتفاقية، ليتخذ ترامب قراره بهذا الشأن، لكن إشارته إلى هذه «المسرحية» لدى تبريره اتخاذ القرار، يشير إلى أن الدافع الأساسي وراء القرار التأكيد على أن إدارته تعمل بلا كلل أو ملل، لصالح الدولة العبرية التي كان لها موقف معارض قبل وبعد التوصل إلى الاتفاقية بشأن الملف النووي الإيراني، وذهب بعض المعلقين الأميركيين على هذا القرار بالقول، إن شعار ترامب: (أميركا أولاً) بات الآن وبعد اتخاذ قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي: (إسرائيل أولاً) خاصة بعد تناول العديد من المتابعين والمعلقين جوانب الأضرار الأميركية التي ستلحق بالاقتصاد الأميركي، وليس الأوروبي والإيراني فقط، جراء العقوبات المتوازية مع القرار، عوضاً عن الأضرار ذات الطابع السياسي، من خلال شق التحالفات التقليدية بين أوروبا والولايات المتحدة، مع إشارة إلى أن حتى بريطانيا الحليف الأقوى تقليدياً في أوروبا للولايات المتحدة، والتي خالفت الاتحاد الأوروبي في شن الحرب على العراق عام 2003، والتي لم تكتف بمساندة أميركا بل ساعدت في تزويد المبررات لهذه الحرب، حتى بريطانيا، اصطفت إثر هذا القرار إلى جانب كل من ألمانيا وفرنسا، وقد عارضتا الحرب على العراق بخلاف بريطانيا، في متغير كان يتوجب على الإدارة الأميركية أن تأخذه بالحسبان وهي تدرس الانسحاب من الاتفاقية!
إلاّ أن إدارة ترامب لم تأخذ ذلك بالحسبان، بل أنها تمادت عندما اعتبر البعض أن هذا القرار، موجه إلى إيران وإلى الحلفاء الأوروبيين، هؤلاء الذين عارضوا قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، عقاب الاتحاد الأوروبي عموماً، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على وجه الخصوص نظراً لهذا الموقف، جاء بشكل انتقامي من خلال قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، إلاّ أن الدول المتضررة، خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا من قرار الانسحاب، لا تتمكن من اتخاذ موقف أوروبي موحد، بالنظر إلى الاختراق الأميركي ـ الإسرائيلي للاتحاد، فقد أحبطت إسرائيل قبل يومين صدور بيان عن الاتحاد الأوروبي يدين نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. الاختراق الأميركي الإسرائيلي كان عبر ثلاث دول: رومانيا والتشيك واللتين ستنقلان سفارتهما كما الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة، إضافة إلى المجر.
ولعلّ جملة العناصر الاقتصادية والسياسية الناجمة عن القرار الأميركي بشأن الاتفاق النووي، وراء دعوة أوروبية جديدة، للسعي من قبل الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز قدرة أوروبا على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية، حسب دعوة وزير الخارجية الفرنسي برونو لومير، الذي أشار إلى أن أوروبا لا يمكن لها أن تستمر خاضعة للقرارات الأميركية!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة