نشر الاسرار

على مدار الساعة يظهر على الشاشات الملونة اشخاص يعرضون علينا ما يزعمون انها وثائق «لا تُدحض» ولا ندري دقة وصحة هذه الوثائق فيما دخل «الفوتوشوب» سباق التزوير والتحريف واللعب بالمعلومات بشهادة مخترع هذا البرنامج العنكبوتي نفسه.
وقبل سنوات قليلة كتب الصحفي الالماني جيروم هولش الذي زار بغداد «لا اسرار في العراق.. الصندوق مفتوح على مصراعيه» وذلك في نطاق ما سجله عن مشاهداته في «اسبوعية برلين» مؤكداً ان «المعلومات» التي يسعى الصحفيون والمراسلون الوصول اليها في بغداد تتيسر بطريقة سهلة «واحياناً من غير كلفة» أو «من دون ثمن» ويعيد ذلك الى ما اسماه بقلة تحسب العديد من السياسيين والمسؤولين ازاء «امور حساسة» ينبغي ان يكون مكانها «صندوق الاسرار».
مقابل هذا وقبل هولش بعقدين من السنوات كتب مراسل لصحيفة اللوموند الفرنسية من بغداد «ان العراق بلد من دون ارقام» وذلك بعد ان اعياه البحث عن ارقام ومعطيات تساعد في تكوين قراءة موثقة عن احوال البلاد في عهد حكم الدكتاتورية، فقد كان يتلقى جواباً واحداً من مسؤولي النظام السابق «الارقام سيادية وغير مسموح تداولها» وهي ذريعة سخيفة تستهدف التعتيم المقصود على المعلومات الخاصة بتحكم الجماعة الحاكمة بثروة البلاد ومسؤوليتها عن تردي الاوضاع، ولاحظ المراسل باستغراب ان السلطات الحاكمة آنذاك منعت تداول الارقام حتى ذات الصلة بنشرات الانواء الجوية في العراق «كي لا يستغلها العدو» ثم، بعد ذلك، راحت تتلاعب بارقام درجات الحرارة، وتحرف المعلومات الخاصة بالتنبؤات الجوية.
الحقيقة تتمثل في انه ليس ثمة بلد في العالم لا يعنيه حماية «نوع» من الملفات الخاصة بقضايا الامن والمصالح القومية والعسكرية والاقتصادية واسرار الناس من العبث، وليس ثمة دولة لا تملك صندوقا للاسرار تهتم بحراسته والحيلولة دون وصول «العدو» اليه، والسرية هنا لا تخص ظروف الحرب فقط بل انها من لوازم الحماية الوطنية في ظروف السلم ايضا.
اقول، اكاد اصدق ما كتبه الصحفي الالماني عن صندوق الاسرار العراقي المفتوح على مصراعيه، فقد حضرتُ مساجلة قدم فيها موظف سابق»مغضوب عليه» الى محدثيه حزمة من اسرار»خطيرة» عن المرفق الذي كان يديره، وعن ملفات وارقام واسماء وعائلات وصفقات ودول، وهي معلومات سرية كان المتحدث قد اؤتمن عليها وينبغي ان تكون في مأمن من التداول، وبدلا عن ذلك هدد الرجل ان يكشف المزيد، غُلا، او للتنكيل بخصومه، ويقال ان لاولئك الخصوم سجلات كبيرة من الاسرار تدين المتحدث وقد ترسله الى المقصلة.
*******
جبران:
«البعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة