سلام مكي
كاتب عراقي
لم يكتفِ المشرع باستحداث هيأة النزاهة لغرض مواجهة ظاهرة الفساد التي غزت الحياة الإدارية والسياسية بعد التغيير، اذ تم تأسيس مكاتب للمفتشين العموميين في كل وزارة، الغرض منه وحسبما جاء في الأمر 57 لسنة2004 (اشباع حاجة الوزراء الى كوادر من المهنيين المؤهلين المتسمين بالموضوعية والذين يكرسون جهودهم لتحسين إدارة الوزارة والقضاء على أعمال الغش والتبذير وإساءة استخدام السلطة). ومن المؤاخذات الواردة على الأمر 57 انه منح الوزير المختص صلاحية اقالة المفتش العام، استنادا للقسم 4 الذي تنص الفقرة 1 منه: يجوز للوزير المعني إقالة المفتش العمومي من منصبه في حال وجود سبب يبرر الإقالة، ويكون السبب المبرر للإقالة على سبيل المثال لا الحصر، العمل المغاير للقانون وللواجبات الرسمية، وإساءة استخدام المركز وقبول الرشوة. هذا النص، جعل المفتش العام الذي هو وجد أصلا لمراقبة وتفتيش الوزارة تحت رحمة الوزير، الذي عليه مراقبته، حيث بإمكان أي وزير ان يقيل المفتش العام، في حال قام ذلك المفتش بأي عمل من شأنه ان يكشف مخالفاته المالية. لذلك، تم تدارك هذا الموضوع، عبر الأمر 19 لسنة2005 الذي منح صلاحية تعيين وإقالة المفتش العام لرئيس الوزراء، ولكن بناءً على رأي مسبق لهيأة النزاهة.
واجبات المفتش العام
برغم ان سبب وجود هذا الجهاز، مكافحة اعمال الغش والتبذير وإساءة استخدام السلطة، الا ان صلاحياته ليست كبيرة، وتنحصر في التحقيق والتفتيش والتقييم والقيام بأي نشاط آخر لممارسة عملهم. وقد حدد القسم 5 من الأمر 57 مهام وواجبات المفتش العام وهي:
1: فحص ومراجعة جميع سجلات الوزارة وكل ما تقوم به من نشاط بغية ضمان النزاهة والشفافية والكفاءة وتوفير المعلومات لاتخاذ القرارات ومن ثم تقديم التوصيات المناسبة المتعلقة بتحسين برامج الوزارة وسياساتها واجراءاتها.
2: القيام بالتحقيق الإداري على نحو يتماشى في السلطات المنصوص عليها في القسم 6. ونلاحظ ان هذه الفقرة، حلت محل المادة 10 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 التي تنص:
أولا: على الوزير او رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على ان يكون أحدهم حاصلا على شهادة جامعية أولية في القانون.
ثانيا: تتولى اللجنة التحقيق تحريريا مع الموظف المخالف المحال عليها ولها في سبيل أداء مهمتها سماع وتدوين اقوال الموظف والشهود والاطلاع على جميع المستندات والبينات التي ترى ضرورة الاطلاع عليها وتحررا محضرا تثبت فيه ما اتخذته من إجراءات وما سمعته من اقوال مع توصياتها المسببة، أما بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق او بفرض احدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون، وترفع كل ذلك الى الجهة التي احالت اليها الموظف.
ثالثا: إذا رأت اللجنة ان فعل الموظف المحال عليها يشكل جريمة نشأت عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية فيجب عليها ان توصي بإحالته الى المحاكم المختصة.
في حين منح القسم الثالث من الأمر 57 الصلاحيات نفسها حيث نصت الفقرة ب: يمنح بموجب هذا الأمر كل مكاتب المفتشين العموميين سلطة اصدار طلبات استدعاء الشهود والاستماع الى اليمين او القسم الذي يؤديه الشهود وسلطة الاستماع الى اقوال الشهود وتسجيلها وإصدار الأوامر الملزمة لإبراز السجلات والأوراق الرسمية والمدونات والوثائق.. فنلاحظ انه تم سحب صلاحية التحقيق من الدائرة التي ينتمي اليها الموظف المخالف الى المفتش العام. ولأهمية التحقيق الإداري الذي يجريه المفتش العام، اعتمدت المحاكم المختصة بقضايا النزاهة التحقيق الإداري كسبب من أسباب إحالة القضية الى قاض الموضوع، رغم ان التحقيق الإداري ليس ملزما للقاضي وانما يتخذه على سبيل الاستئناس. لكن العادة جرت الا يتم السير في القضية، الا بوجود التحقيق الإداري، وفي حالة عدم وجوده، فإن القاضي يخاطب المفتش العام لغرض اجراء التحقيق، وفي حالة إحالة قضية الى قاض الموضوع، فقد يتم الطعن به من قبل الادعاء العام، والسبب هو لغرض منح ضمانات إضافية للموظف، ولأخذ رأي الجهة الإدارية التي ينتمي اليها الموظف، ولتعزيز قناعات المحكمة بالإحالة او الغلق. لكن المشكلة ان هذه الغاية، لم تعد هي السائدة، حيث ان التحقيق الإداري، يتسبب ونتيجة للروتين والشكلية التي تتبعها بعض الدوائر والمؤسسات، يتسبب بتأخير إجراءات حسم القضية، ومن جانب آخر قد يكون سببا في ظلم الموظف نتيجة لكون ان بعض مكاتب المفتشين، لا تعرف طبيعة عمل الدوائر التي تقع تحت مسؤوليتها، خصوصا الوزارات التي تملك دوائر ومديريات متعددة، فمثلا وزارة العدل تتكون من رعاية القاصرين والتسجيل العقاري والكاتب العدل، ومجلس شورى الدولة( قبل تعديل القانون) هذه الدوائر، يمارس أعمالها موظفون مختصون على دراية بالأعمال الموكلة إليهم، فلا يمكن للمفتش العام الذي يشرف على جميع تلك المؤسسات ان يحيط بتلك الأعمال وبالتالي، يتفهم طبيعة عمل الموظف. فيلجأ الى اصدار توصية بإحالة موظف الى المحاكم عن طريق النزاهة ليس لفساد الموظف، بل لعدم فهمه طبيعة عمل ذلك الموظف. وقد يكون التحقيق الإداري، بابا، يمكن للموظف الكبير او صاحب النفوذ، النفاذ منه والتحرر من المسؤولية، حيث ان مجرد التوصية بعدم الإحالة الى المحاكم يعني ان القضية لا تصل الى النزاهة التي ستقوم بالتحقيق هي الأخرى.