أمير الحلو
يروى للطرفة ان شخصاً تلقى دعوة رسمية لزيارة احدى البلدان المعروفة بظاهرة(البخشيش)الذي يدفعه الانسان في كل خطوة يخطوها وتصاحبه حتى اللحظة الاخيرة قبل النوم،فاجاب الجهة الداعية انه على استعداد لتحمل جميع مصاريف الفندق والنقل والطعام على ان تقوم هي بدفع(البقشيش) لانه يكلفه اكثر من تلك المصاريف .
لم تكن هذه الظاهرة منتشرة في العراق بشكل واسع وتمارس في بعض المجالات وبحدود معقولة وخاصة في مجال تصليح الكهرباء والهاتف وتمشية المعاملات في دوائر رسمية خدمية،ولكن ما نشاهده الآن يدعونا الى اعادة النكتة اعلاه ونقول للجهات المسؤولة اقطعوا عنا رواتبنا وادفعوا عنا الاتاوات والرشاوى والبقشيش،فقد استفحلت هذه الممارسة حتى اصبح الاستثناء هو ان لاتدفع ،والذي جعلها بهذا الشكل هو عدم قيام الدوائر المسؤولة باتخاذ الاجراءات الحازمة ضد المرتشين وفارضي الاتاوات على الآخرين،فالكارثة مثلا عندما تدخل او احد عائلتك الى مستشفى حكومي أو خاص ليس في المصاريف الباهظة فقط وانما في اضطرارك الى دفع الاموال بغير حساب لكل الذين يمرون في طريقك او يقتحمون غرفة المريض،فعندما اراد أحد افراد عائلتي اجراء عملية جراحية في مستشفى حكومي، دخل شخص واحد ليدفع سريره الى صالة العمليات ولكن صفاً من العاملين في المستشفى كانوا يدخلون السرير برقة الى الغرفة وهم يرددون بصوت واحد (الحمد لله على السلامة) ويقفون الى ان ترد لهم التحية باحسن منها نقداً،ثم تدخل عاملة التنظيف وتقوم بالمشهد نفسه ومن بعدها الممرضة ثم عاملة تنظيف اخرى..وهكذا كلفت هذه الاتاوات اكثر من اجور العملية والمستشفى،وهي ظاهرة تمارس علنا وفي جميع المستشفيات.
المشكلة الحقيقية هي في عمليات الصيانة وخصوصاً في الكهرباء،فما ان يحدث خلل خارجي في المحولة او الاسلاك وتطلب (النجدة)من فرق الصيانة حتى تجري عملية المساومة على التصليح باجور اجبارية وإلا تبقى من دون كهرباء ،وقد طلب مني احدهم ان اجمع له المبالغ من الجيران فقلت له هذه عشرة الاف مني وعليك ان تمر على دور الجيران للجباية الاجبارية !
لا مشكلة عندنا في دفع اجور رفع الازبال الى العاملين في سيارات النظافة على الرغم من الكتابة الواضحة بانها تعمل(مجاناً) ولكن ما حدث قبل ايام هو الذي (استفزني)على الكتابة عن هذه الظاهرة المستفحلة،فقد جاء عمال بلدية وفتحوا فوهة المجاري في الشارع(المنهول)بعد انسدادها واخرجوا منها كميات كبيرة من النفايات التي يتحمل المواطن احياناً مسؤولية رميها في غير محلها،ولكنهم بعد ان اتموا عملهم تركوا النفايات وسط الشارع،فسألتهم :من سيرفعها؟قالوا:أعطوا لعمال النظافة اموالاً لرفعها،وغادروا بعد ان تركوا تلك النفايات تنفث روائح كريهة في الشارع وتعرقل سير الناس والمارة،وسؤالي إلا يوجد مسؤول عنهم يراقب عملهم ويطلب منهم اتمام واجبهم،ولماذا لا يمر المسؤولون على قضايا النظافة والصيانة على مناطق عملهم (لتفقدها)بدلاً من تركها بيد صبيان دون الخامسة عشرة من العمر يفترشون الارض ولا يعملون إلا بالاتاوة !
ان احصائيات هيئة النزاهة مذهلة ولا أدري اذا كانت تتابع من قبل المسؤولين من المؤسسات التي تجري فيها عمليات الرشوة وفرض الاموال بجميع انواعها.
انني ادعو الى حملة واسعة لمكافحة الفساد والرشوة والاتاوات فقد بلغت الامور حدوداً لا يمكن تحملها من قبل المواطن وهو ينوء باعباء الحياة الاخرى،وبما يجعله صفر اليدين في الاسبوع الاول من الشهر !