آرون ديفيد ميلر
ها هو الرئيس اوباما ينفذ الانقلاب الاستراتيجي مرة اخرى, و يعود الى اسلوب سلفه المبني على فلسفة حربية قديمة تقول «لابد لنا ان نقتلهم اينما نجدهم.» لكن الامر لا يبدو بالضخامة التي نتخيلها لو عمدنا الى تحليل استراتيجية تدمير داعش لمكوناتها الاولية.
يعود السبب في ذلك الى ان اوباما اعاد تأكيد نفسه و اولوياته كما كان و كانت دوما, لاسيما ما يتعلق بمكافحة الارهاب منها, لكن مع اختلاف تمثل في تحول عسكري حرج للدور الاميركي في سوريا, الامر الذي لم يكن مطروحا بهذا الشكل في السابق.
ان الامر ليس بأيديولوجية صليبية او خيالات عن بناء امة و ديمقراطية جديدة في الشرق الاوسط. لقد بات تنظيم داعش يشكل خطرا على سلامة ارضنا, فضلا عن كونه عدوا لا يستطيع تدمير الاميركيين و حسب, و انما يستطيع تدمير رئاسة اوباما نفسها كذلك. و لاشك ان الشق المتعلق بأوباما نفسه كان دافعا له كي يقرر تحمل المخاطر في سياسة مكافحة الارهاب الجديدة التي اعلن عنها للتو.
بالرغم من نقد بعض مؤيديه المحبطين له بأنه لم يعمد الى سياسة قوية في مجال مكافحة الارهاب كما كان سلفه السابق, الا ان اوباما ضاعف هجمات الطائرات من دون طيار في الدول المضطربة و على رأسها افغانستان الى اكثر من 10 مرات مقارنة ببوش الابن, فضلا عن دور هذه الاستراتيجية في دول مثل اليمن و الصومال كذلك. و هذا الكلام يعني ان اوباما يقدر درجة تهديد تنظيم داعش للولايات المتحدة مستقبلا, و ان كان التهديد المنظور يبدو متواريا عن الانظار. ان اوباما يعلم ان تنظيم داعش اكثر ثراءا و ذكاءا من القاعدة, في مقابل قصر الوقت الذي بقي له من خلال عقارب ساعته الرآسية. لذلك, فأن اوباما لا يتسطيع تحمل كلفة ترك الموضوع لتطورات المستقبل المجهول و حسب. و لقد ادرك اوباما انه عليه القيام بكل شيء ممكن لأستباق خطر داعش قبل ان يضرب الاخير ضد الاميركين الذين تظهر استطلاعات الرأي ان خطر هذا التنظيم يقع في صميم رادار اهتماماتهم الدولية.
يصح القول ان ضمان نظام حكم مستقر في العراق و سوريا لسوف يقود بشكل ما الى تقليل مخاطر تنظيم داعش الذي يبدو في حال توسع مستمر. لكن ذلك لن يتحقق بسهولة او بسرعة, ان كان سيتحقق اصلا, ما لم يعمد العراقيون و السوريون الى تولي مسؤولية حقيقية في تحقيق ذلك. كما ان جمع الفرقاء الاقليميين المختلفين فيما بينهم ليس بالامر الهيّن كذلك, بالنظر الى اختلاف التصورات ما بين معسكر السعودية و مصر و الامارات من جهة, و معسكر قطر و تركيا من جهة اخرى, الامر الذي تجلى بدايةَ بالموقف التركي المتمثل في الاقتصار على الجانب الانساني و حسب. و حتى مع قول العرب انهم سيعمدون الى محاربة داعش و توفير الاموال و القواعد للسوريين كي يقوموا بذلك, مع المشاركة بالمعلومات الاستخبارية, الامر الذي هلل له بعض الاذكياء, فأن ذلك يجب ان لا يدفع سقف توقعاتنا عاليا. ان الواقع يقول ان اي تحالف من الدول السنية لمحاربة داعش على الارض انما لا يشبه في شكله الا مشهدا خياليا من احد افلام هوليوود الفاشلة.
ان الطريقة الوحيدة لجعل الدول العربية تحارب داعش, من اجل الاميركيين, لن تكون الا وفق المنطق الشرق اوسطي القديم القائل «عدو عدوي صديقي.»
اما ايران, فتمثل قطعة معقدة من الاحجية الحالية, الامر الذي عمد الرئيس الى اغفال ذكره في خطابه الاخير. لقد تصادف ان الادارة الاميركية التقت مصالحا على المدى القصير مع ايران ضد داعش. و قد شهدنا دراما مشابهة لذلك في العام 1990 حينما استنكرت طهران غزو صدام للكويت, فضلا عن موقفها تجاه افغانستان في العام 2001, حينما قام عناصر من الحرس الثوري الايراني الى جانب افراد العمليات الخاصة الاميركية, قاموا بتدريب مقاتلين من التحالف الشمالي لضرب طالبان انذاك.
لكن هذا التأكيد يجب ان يظل على المدى القصير و حسب.
و بالنظر الى رؤية طهران المختلفة عن رؤيتنا للعراق, لاسيما مع الالية التي اعتمدها قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني خلال العقد الماضي, فأن مفهوم «عدو عدوي صديقي» قد لا يضيف الكثير الى قضية اوباما الان. و لنا ان نذكر ان ايران ليست صديقة لأميركا.
و بصرف النظر عن نجاح منهج الرئيس من عدمه, فأن هذا المنهج سوف يمضي اعتمادا على اسلوب الحرب الجوية الاميركية, لاسيما اثناء تحرك تنظيم داعش عبر الحدود ما بين العراق و سوريا, و تبعا لتحسن الموقف الاستخباراتي لضربهم في سوريا ايضا, مع تقوية شوكة حلفائنا على الارض في هذا البلد لضربهم.
لو سألنا بعد اكثر من عقد على الحرب ضد القاعدة عمن يمثل التهديد القاري الوشيك للولايات المتحدة, فأن الجواب لن يكون تنظيم داعش و انما القاعدة في الجزيرة العربية و قدرتها على صنع القنابل و مهاجمتنا. لكن الامر ليس محاولة منا لانتقاد نجاح سياستنا في مكافحة الارهاب, و انما تسليط الضوء على حقيقة ان ضرب و اضعاف جماعة ارهابية يعني, بالعادة, بروز و صعود فروعها و اطرافها بالمقابل, الامر الذي قد يتحقق بنجاح اكبر مع تنظيم داعش هذه المرة. ان محاربة هؤلاء الناس تشبه التنفس نفسه, و ليس هنالك من حي يستطيع التوقف عن جر النفس. انها الحرب الطويلة حقا.
و نحن نعتقد ان اوباما يدرك ذلك كله, اوباما الذي ليس امامه, بصراحة, ما يستطيع ان يقوله او يفعله اكثر. و في النهاية, فان اوباما ليس بصدد وضع خطط كبرى و آمال عظيمة لانتقالة اصلاحية لهذا الشرق الاوسط, هذه المنطقة الفاشلة و الغاضبة و المكسورة من بين مناطق العالم. ان الامر, بالنسبة للاميركيين, يتمثل في الاستمرار بمنع هجوم «قاعدي» مباشر ضد الارض الاميركية, و كما كنا نعمل منذ 13 عاما.
اننا نستطيع ارتداء ثوب التحالف مع الحلفاء ايا كان لونه. لكن اوباما يدرك انه بمجرد نزع ذلك الثوب, فأن الامر لن يكون سوى قتل هؤلاء الاشرار بمجرد الظفر بهم و حسب.
* عن «سي ان ان»
ترجمة الهادر المعموري