محمد حسين الراشد
التابو هو المحظور أو الثوابت التي ورثناها دون عبور خطوطها الحمر،
فمن قال أنّ الملحد لا يؤمن بالله!
والنثر لا يكون شعراً!
فالمحظور حاضر والمسكوت عنه مكتوب ٌو منطوق واصبح الذي لا يقال مقول بكل تمرد.. وحين نطالع كتاب “أدخل بيتي مثل لص” الفائز بجائزة الرافدين ٢٠١٩ والصادر عن دار الرافدين / بيروت سنكتشف أن الشعر لدى علي الياسري هكذا.. فشعر الياسري يتخذ من النثر مساحةً للتمرد ومن الخيال واقعاً يشبه قصيدته النثرية، والصورة الشعرية لديه هي المفارقة والمفاجأة كلما انتهيت من مفاجأة جاءتك غيرها ، الدهشة هي الصورة بمعنى المشاهدات المحجوبة عن رؤيتنا، والتي جعلها واضحةً وهو يفتتح الكتاب بـ :
“كثيرٌ من اللصوص
بكوا أثناء الصلاة
لكن واحداً فقط
سيبكي أثناء السرقة. (ص٥)
لكنه يموّه منتقلاً بين السري والمعلن حين يقول:
“كيف تمسكين الله والشيطان
بيد ٍ واحدة!” (ص١١)
ثم يتمرد على الطبيعي والشائع إذ يسترسل في قصيدة” عائلة لا يراها أحد”:
“تعالوا نقنع السيدة أن تتعرى ،
من أجل الولادة!
أعرف أنّ الاشياء يمكن أن
تنبت مثل شجرة ٍ
وأن تضيع مثل ولد
قالت ….
وهي تطلقه / تضيّعه/ تنحت له اسماً/ تربيه من أجل أن يقول لا..
بفمٍ مجبول على نعم! (ص١٣)
نعم.. المسكوت عنه منطوق في “أدخل بيتي مثل لص” والدهشة هي الصورة التي لن تراها .. لأنها ممنوعة ومحجوبة، مهما بدت واضحة وعلنية، المفارقة نفسها، لن تبدو مفارقة، دون التدقيق العميق.. فها هو الشاعر يغني ويجعلنا نحتار بالأغنية:
“الله أغنية
الشيطان أغنية
مشكلتنا أننا نسمع كل الأغاني.
أمُّ الشيخ الذي حرم الغناء
كانت تغني له ” دللول”
(ص١٥)
الياسري تائه ٌ لكنّه يعرف مبتغاه! يبقى أن نتساءل دائما عن معنى التيه الذي ينشده الشاعر ، فالتيه لا يُمسك.
وحين يرسم الياسري المحظور فكأنّه ينظر إليه شيئا عادياً لكنه بحرفة يسأل عن المحظور بواسطة المحظور الآخر!
فهذا الشاعر الذي تفرّع كتابه الشعري إلى ثلاثة أبواب هي (أغنية القفص) و (مرارة هيغل) و(الغرق في الكتابة) يلامس سقف السماء.. لأنّ لا حدود لخياله أو مفارقاته.
مهارة الشاعر تتجلى هنا في الأسئلة التي لا جواب عنها..
فها هو يقول :
“كيف بدا كل شيء واحداً
السلاح والمعول والفلاح
وقلبي” (ص١٩).
حرية النص لدى علي الياسري هي سمة شعره ولونه الذي أراده مكشوفا ً، ومحظوره الاجتماعي هو عنوانه الأدبي..
كما لو انُه يعض الهواء!
يمكن ملاحظة ذلك في قصيدته “كما لو أنك تعض الهواء:
“في المدن الكبيرة
صوت ُبدوي يثأر في الأغاني” (ص٩٠)
–
“ليست حياة ً ؛ أنقاض ُحياة ٍ أخرى
هواء معضوض ؛
قل :
كما لو أنّك تعض الهواء” (ص٩١)
–
محاولة البقال وهو يرصف الناضج في المقدمة
ثم يدس ، بين السطور ، شيئا ً ميتاً! (ص٩٢)
علي الياسري استطاع بتجربته الشعرية أن يجتاز كل الخطوط ليؤكد أنّ لا شيء فوق النص سواء أكان محظورا ً أم سؤالاً تم تأجيل جوابه؟!
الياسري لغته ُ حبال ٌ لفّ عقدها بذكاء بمفرداته المكثفة؛ فصيرته ُ صيادا ً ماهرا ً ووضعتنا في حيرة بشِباك سحر نصوصه المحظورة!