الرمم الشامخة

لقد مر زمن طويل على ذلك السؤال الذي شغل بال العقول التي قاطعت هرولات القطيع واناشيدهم الخالدة، عندما توقفت عند علل تقدم الآخرين وتخلف المنتسبين لنادي “خير أمة”؟

وها نحن نترقب بحذر وقلق العنفوان الجديد لها في نسخته المتطورة لادارة شؤون عيال الله عبر مؤسسة (الخلافة) وابتكارات معاهد بحوثها الافغانية والنجدية والشيشانية. التطورات العجائبية الاخيرة أكدت ان شعوب وقبائل وملل هذه الامة العتيدة لم تكتف بالتخلف عن ركب باقي الشعوب والامم، حيث تحتل وعن جدارة تحسد عليها ذيل سلالات بني آدم في مجال النشاط والانتاج المادي والروحي، بل هي اليوم تكشف عن مواهبها الجليلة في الحفر عميقاً بمآثر الاجرام والارهاب والفتك بكل ما يوحي بالحياة والجمال على تضاريس هذه الاوطان المنكوبة وباقي المضارب المتجحفلة معها بإحسان. وبالعودة لسؤال اسلافنا عن سبب كل هذا التقهقر العضال، وكل هذا الاغتراب عن متطلبات هذا العالم التي ادركتها آخر القبائل المهاجرة من الادغال؛ نجد ان غير القليل من العلل تترسب في ذلك الشموخ الاجوف المستند الى كثبان هائلة من دغل الاكاذيب، المتضافرة وهيمنة لا حدود لها لسدنة الركود والخنوع ومؤسساتهم المتخصصة في الدفاع عما يعرف بـ(ثوابت الأمة) وعلومها المسؤولة عن كل هذا التشرذم والهلوسات والجنون الجمعي الذي أدهش سكان القرية الكونية بقدراته الابداعية في مجال الجمع بين تعاويذنا المجربة واطوارنا المرضية .

البعض قد لا يتفق معنا حول هذه الصورة عن واقع حالنا المزري وعن العلل الداخلية المحضة لما آل اليه، خاصة من الذين ادمنوا على القاء وزر كل خيباتنا وهزائمنا على الشيطان وسلالاته القيمية والآيديولوجية من الكفار الى الصليبيين واليهود والامبريالية والاستكبار العالمي وغير ذلك من معسكر المتربصين بنا من دون خلق الله. غير انهم ومع قليل من الانصاف، يمكنهم الوصول لمثل هذه القناعة، ان توقفوا قليلاً عند عينة عشوائية مما يصفعنا يومياً وكل لحظة من خطابات ولافتات وصور ومدونات وكل انواع الضجيج المتشبث بتلابيب حياتنا الفردية والاجتماعية، والتي شخصها بدقة المفكر السعودي عبدالله القصيمي في كتابه (العرب ظاهرة صوتية) حيث حشائش ذلك القات المدمر من الخرافات والاكاذيب والزيف الذي أدمنت عليه اجيال متواصلة، تتناقله بكل ثقة واطمئنان بوصفه بلسماً لكل ما يمكن ان يواجههم في حياتهم الواقعية والافتراضية. ان نجاتنا من هذه الحلقات القاتلة التي ما زالت تمضغنا بلا شهية، مرهون بقدرتنا على تقيؤ كتل السموم المترسبة والمتراكمة منذ أكثر من الف عام وعام، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

 

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة