علي عبد العال
عندما يغيب القانون وتغيب هيبة الدولة تتمادى العصابات الاجرامية مهما كان حجمها صغيرا أو كبيرا، ومموليها مهما كانوا صغارا أو كبارا، تتمادى هذه العصابات الاجرامية في غيها بالفتك بالمجتمع في ظل توجيهات رؤوس إجرامية مدفوعة الأثمان من قبل أزلام النظام المباد والأنظمة الخليجية الرجعية المعادية للعراق بالدرجة الأولى والمعادية لجميع النظم الديمقراطية بالعالم أجمع. الدول الإقليمية المحيطة بالعراق لا تعرف ولا تريد أن تعترف بالنظام الديموقراطي السياسي العالمي الحديث.
وقد حافظت على سلطانها المطلق عبر جميع أشكال القمع السياسي والاجتماعي والثقافي، فضلا عن القمع الديني ذاته. إنها إمارات ومشايخ تعداها النظام السياسي العراقي منذ ثورة 14 تموز 1958، بيد أن هذه الإمارات المتخلفة تأبى التسليم بالواقع الاجتماعي والسياسي والتطور الحاصل في شعوبها بفضل التقنيات التكنلوجية الحديثة ومنها شبكة الإنترنيت التي جعلت التواصل بين شعوب العالم وتبادل الخبرات إلى مستوى صناعة الثورات العظيمة كما حدث بمصر وتونس والطرق مفتوحة أمام جميع الشعوب عاجلا أم آجلا. فهذه الأنظمة، وتوابعها من العصابات الإجرامية ولغت بالقمع الوحشي ضد جميع المعارضين لها، بل ومازالت تحرم المرأة من قيادة السيارات.
في العراق المقصود بهذا المستوى الهائل من الإجرام السياسي تسنى لي رؤية هذا المشهد البشع في أول زيارة لي للعراق بعد ثلاثة عقود من النفي الإجباري. في فجر التاسع والعشرين من آب عام 2003 تمت تصفية رجل الدين المناضل الشهيد محمد باقر الحكيم بتفجير كبير في مرقد الإمام علي بن أبي طالب بالنجف الأشرف. ظهرتُ من البيت المتواضع ببغداد ورأيت الرايات السود تنتشر في الشوارع والطرقات الخلفية. ورأيت الحزن العام على وجوه البشر والمواطنين الأبرياء. رأيت المأساة الكبيرة، وباليوم التالي كنتُ وأخوتي بين حشود الناس في النجف بالقرب من موقع الحادث الجسيم. كان جدار الصحن الخارجي المتين مهدما وواجهة السوق لحقت بها الأضرار الكبيرة. الدماء المهدورة على الطرقات والأرصفة مازالت متناثرة في الأماكن التي قذفها الإنفجار. ظل هذا المشهد الإجرامي المرعب يكتنف التجربة السياسية الجديدة بالعراق حتى يومنا الحاضر. أحداث الأنبار والفلوجة وما نشهده اليوم من التطورات السياسية الدامية في الموصل ونواحيها هي عمليات إجرامية تتشارك فيها أطراف الصراع السياسي الداخلي ممثلا لأطراف خارجية لها مصالح حيوية كبيرة بتدمير العراق شعبا ودولة. هذا المشهد الدامي الذي لا تخلو منه أي منطقة من مناطق العراق ومدنه، وخصوصا العاصمة بغداد يضعنا أمام غياب كامل للدولة ومؤسساتها الأمنية المعنية. دولة تائهة في دهاليز الجريمة المزدوجة من قبل الحاكمين والمعارضين. نحن أمام طريق مسدود.. ربما؟