استعادة طه حسين.. إصلاح التعليم ومصر حين تثور و»الناصريزم»

القاهرة- رويترز:
تسجل مختارات لعميد الأدب العربي طه حسين مواقفه من قضايا اجتماعية وفكرية وسياسية ومنها موقفه من ثورة 1952 التي أنهت الحكم الملكي ومن زعيمها جمال عبد الناصر الذي احتفى به عبر ترسيخ مصطلح “الناصريزم” قائلاً إن اسم عبد الناصر يدل “على علة مفسدة” لتفكير الغرب وإن مصر حين تثور تتبعها دول عربية أخرى.
ويتزامن صدور المختارات مع احتفال مصر بثورة 23 تموز 1952 التي أنهت حكم أسرة محمد علي بمغادرة الملك فاروق للبلاد في مثل يوم (26 تموز 1952). وفي البداية لم يطلق الضباط الأحرار على ما فعلوه كلمة “ثورة” وإنما “الحركة المباركة” ولكن طه حسين أطلق عليها مصطلح “الثورة” في مقال نشر بعد 13 يوماً.
ففي الخامس من آب 1952 نشر مقالاً قال فيه إن مصر أصبحت تملأ الدنيا وتشغل الناس وإنه “فخور ومعجب بأن مصر قد ضربت للعالم الحديث مثلاً رائعاً بثورتها هذه التي جمعت بين الهدوء الذي يملؤه الوقار والجلال وبين العنف الحازم النقي الذي يحطم الظلم ويرسل ملكاً إلى منفاه من دون أن يسفك قطرة من دم.”
ويسجل أن كثيراً من الصحف الفرنسية “لا تستطيع أن تخفي إشفاقها من الثورة المصرية… لأنها تخشى أن تكون الثورة المصرية مثلا لثورات أخرى تحدث في بلاد أخرى” حيث بدأ الفرنسيون يواجهون صعوبات حين “نهضت تونس تقاوم” وكذلك المغرب انطلاقاً من ارتباط شرطي “فإذا زال النفوذ البريطاني من مصر كان زواله إيذاناً بزوال النفوذ الفرنسي” من شمال إفريقيا.
ويقول إن “هذه الثورة المباركة التي ردت إلى مصر كرامتها وشرفها في وقار وأناة ونالت بذلك إعجاب العالم الخارجي قد ردت إلى المصريين ثقتهم بوطنهم ” ومنحتهم التفاؤل بحياة أكثر كرامة.
والمقالات التي اختارها الشاعر حسن طلب يضمها كتاب عنوانه (طه حسين.. ثورة حية وحياة ثائرة.. خلاصة المقالات 1910-1964) ويقع في 159 صفحة متوسطة القطع وصدر هدية مع مجلة (إبداع) الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وكان طه حسين (1889-1973) الذي تخرج في جامعة الأزهر أول من حصل على درجة الدكتوراه في الجامعة المصرية عام 1914 وسافر في العام نفسه إلى فرنسا لدراسة العلوم الاجتماعية والفلسفية ونال الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1918 في الفلسفة الاجتماعية لمؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون. ثم تولى تدريس التاريخ والأدب بالجامعة المصرية في 1919 وفي عام 1930 أصبح عميداً لكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن).
وتحت (ثورة حية وحياة ثائرة) كرر طه حسين أكثر من مرة أنه يريد “أن تكون ثورتنا حية وأن تكون حياتنا ثائرة.”
واستعرض جوانب مما يراه حياة ثائرة ومنها “أن يدفع المصريون إلى نشاط قوي عنيف لا يستريحون منه إلا حين يضطرون إلى النوم ساعات في كل يوم وأن يكون النشاط متنوعاً… يمس الموظف في ديوانه والعالم في مكتبه أو معمله والزارع في حقله والعامل في مصنعه… أريد ألا يفرغ المصريون لأنفسهم وألا تفرغ لهم أنفسهم… ولست أعرف شيئاً أخطر على الثورة ولا أضر بها.. من فراغ الناس لأنفسهم.”
وفي فصل عنوانه (الناصريزم) يرجع إلى آب 1957 في العام التالي للعدوان الثلاثي الفرنسي-البريطاني-الإسرائيلي على مصر يقول إن الغرب نحت مصطلح “ناصريزم” للاستهانة بما يحاول عبد الناصر تحقيقه فأي إنجاز “بغيض بالطبع إلى الغرب الأوروبي والأميركي… ونفوس الغربيين وساستهم خاصة مصابة بداء في هذه الأيام يأتيهم من رئيس الجمهورية المصرية.. ففي قلوبهم مرض هو بغض جمال عبد الناصر وفي عقولهم مرض هو اتهام جمال عبد الناصر” مضيفاً أن عبد الناصر سبب ما يصيب فرنسا وبريطانيا من اضطراب وثورة في مستعمراتهما البعيدة من البحرين إلى الجزائر.
ويرى أن اسم عبد الناصر أصبح “علة تنغص على ساسة الغرب حياتهم… علة مفسدة لتفكير الغرب وحكمه على كثير من الأشياء” إذ يتهمونه حين أيد الثورة الجزائرية بمحاولة تأسيس “الإمبراطورية المصرية” وليس مناصرة شعب في نيل استقلاله وهو ما عدّه طه حسين نوعاً من “الهذيان” والسخف.
وفي فصل عنوانه (العقل المصري) كتب عام 1930 يشدد طه حسين على إصلاح مناهج التعليم وبرامجه “ولكن الغريب أنها (الحكومة) تصلح في الألفاظ والنظريات ولا تحاول أن تصلح جوهر التعليم ولا تفكر في هذه الفروق العقلية العنيفة التي تقسم الأمة الواحدة إلى فرق متمايزة والتي يجب أن تزال وأن تقوم مقامها وحدة عقلية” حيث ما زال التعليم المصري إلى اليوم جزراً منعزلة بين تعليم ديني أزهري ومدني حكومي وخاص وأجنبي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة