بعضهم يريده مركزاً فنياً
وداد إبراهيم
المشهد التراثي والمعماري للأبنية المتماثلة في منطقة القشلة يعيدنا الى ازدهار العمارة وتنوعها قبل اكثر من مائتي عام بابنيه تمثل ثكنات وبيوت ومراكز حكم ودوائر رسمية في منطقة تزخر بالتراث البغدادي.
وأكثر ما يلفت النظر (بيت الوالي)، المبنى الذي تميز بجمال بنائه وعناصره المعمارية والهندسية المنتمية إلى المشهد والعمارة البغدادية التي اتسمت بتكاملها مع فضاء المكان، وشغل (دار الوالي) مكاناً واسعاً على ضفاف دجلة وبالإمكان الدخول إليه من باب داخل القشلة وأخرى تقع على ضفاف نهر دجلة.
يقول لؤي عبد الله مدير بيت الوالي: «القشلة المكان الأكثر جذبا لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية، لما فيها من ابنية تحمل الكثير من الجمالية، مزينة بالطابوق الأصفر بطابع معماري تميز بالبساطة والوضوح سواء على المستوى الشكلي، او مستوى الهندسة المعمارية، الى جانب ملائمة الظروف المناخية مع مرونة الطابع المعماري».
وتابع: «بيت الوالي من الأبنية المسجلة في دائرة الاثار والتراث تحت مسمى (دار الوالي أو بيت الوالي)، ويعدّ من الأماكن التراثية المهمة والمتميزة بفن العمارة القوسي والواقعة ضمن بناية القشلة والسراي، المنطقة التي تمتد من نهاية شارع المتنبي حتى ضفاف دجلة الخالد والذي اتخذه الولاة العثمانيون مقر سكنهم وكان ضمن مقر الحكم للسيطرة على أمور الدولة والسياسة والقضء ، إذ تدار دفة الحكم من خلال القاعة الكبرى التي تتوسط البيت، وتمتاز بوجود أعمدة خشبية كبيرة مثمنة، وفي سقف القاعة قباب وفتحات للتهوية والاضاءة، وما يميز القاعة ان الدخول اليها من باب يطل على ضفاف دجلة واخر على سوق السراي وأهم ما يميز بيت الوالي وجود الفناء الوسطي (الحوش)».
وأضاف: «يتكون البيت من ثلاثة اجنحة، وتتقدم الأجنحة ممرات سقوفها من الخشب تقوم على أعمدة خشبية تيجانها مزخرفة بزخارف بسيطة، وفيه اكثر من ثلاثين غرفة تمتاز بارتفاعها عن الأرضية بـ 60 سم حتى لا تصلها الرطوبة، وتتميز الغرف بكثرة شبابيكها ما يعطي ميزة بأن الدار صحي، يدخله تيار الهواء وضوء الشمس باستمرار، وأبوابها من الخشب على شكل عقد نصف دائرية، كما أن تداخل أبواب الغرف مع بعضها يسهل عملية التنقل بين أجنحة الدار، وللبيت حديقة داخلية منخفضة عن مستوى الأرض تتوسطها نافورة على شكل مثمن فيها سلالم عدة تؤدي إلى الغرف، وما اعطى الدار قوة ومتانة ليبقى حتى يومنا هذا ارتفاع سقوفه وسمك جدرانه التي تصل الى نصف متر تقريبا.
وحسبما ذكر: «عاش فيه عدد من الولاة العثمانيين وهم (سليمان باشا عام 1803 وداود باشا عام 1817 ونامق باشا عام 1851 ومدحت باشا عام 1869 ) والأخير عاش فيه ست سنوات، وتزوج من خادمة كان قد شاهدها خلال حفل في بيت عائلة عراقية تسمى عائلة النقيب، وأنجبت له ولداً اسمه (محمد على) حتى نفي إلى اليمن، شغلت المبنى عدة وزارات ودوائر خلال الحكومات المتعاقبة، فكان مقراً لوزارة المعارف، ومخزناً لوزارة التربية، وبعدها أصبح مركزاً للشرطة».
وقال: «في نهاية التسعينيات من القرن الماضي هجر البيت وظل مغلقاً حتى عام 2007، حيث تعرض للتخريب والسرقة، وتم فتحه من دائرة الآثار والتراث وتنظيفه. وخلال فعاليات بغداد عاصمة الثقافة كان هناك عمليات تنظيف واسعة وشاملة حين كانت امانة بغداد تقوم بتأهيل ساعة القشلة، ولكن حتى الآن لم يتم ترميمه بشكل كامل، لأن ترميمه يجب ان يكون على وفق خطة تعدها الدائرة، وفيما إذا تم إعادة تأهيله بالإمكان ان يكون مركزاً ثقافياً وفنياً، أو حتى اجتماعياً مهماً لما يحمل من مواصفات جغرافية ومعمارية مهمة».
الاثارية كرامة هاشم قالت: «بداية التسعينيات من القرن الماضي كان مقر عملي في القشلة. شهد بيت الوالي حملة ترميم وتأهيل وقد اكتشف المنقبون حينها وجود غرفة في حديقة البيت على شكل مثمن يعلوها قبة وهي مزار لاحد الرجال الصالحين وباقية لحد الان وتعد ضمن الدار».
اما مدير قسم التحريات في دائرة الاثار والتراث في وزارة الثقافة (سعد حمزة) فقال: «يعدّ (دار الوالي) من الأبنية التراثية المهمة والمتميزة بعناصرها الهندسية والمعمارية التي تعبر عن المرحلة التي عاشتها بغداد خلال الحكم العثماني، فلم يكن بيتا اعتياديا، بل كان مكانا لاستقبال كبار الشخصيات السياسية التي تزور العراق، لذا فأن ترميمه سيكون ضمن خطة دائرة الآثار والتراث لترميم المباني التراثية لعام 2021، سيشارك بها خبراء في الاثار والتراث والهندسة والعمارة البغدادية للحفاظ على شكل المبنى الهندسي والمعماري.
وتابع: «تقدمت العديد من الجهات غير الرسمية بطلبات لإشغاله كمركز ثقافي أو فني، ومنها طلب الأستاذ الفنان (نصير شمة) لجعله بيتا للعود العراقي، إلا أن دائرة التراث تدرس الآن هذه الطلبات، وسيجري اختيار ما يناسب (بيت الوالي) ويجعل منه مكاناً ثقافياً واعلامياً بما يسلط الضوء على أهمية البيت المعمارية والفنية والتراثية.