-1-
من النادر جداً ان يخلو ديوان شاعر من الشعراء العرب من قوافٍ تعكس حبه لاصدقائه وتعلقه الشديد بهم وسروره بقربهم منه .
-2-
والشعراء العراقيون ليسوا مُسْتَثْنَيْنَ من هذا النهج .
ومن هنا :
تجد عندهم الكثير من الشواهد النابضة بروح الاخاء والمودة .
-3 –
إنّ الغربة شديدةُ الوطأة على عُشّاق الوطن ومُحِبيهِ ، ولم يكن ثَمّةَ مِنْ شيءٍ يُمكنُ أنْ يخفف من تلك الوطأة غير اللقاء بالأحبة والاصدقاء من أبناء الوطن العزيز .
وأذكر أنَّ الفقيد العزيز الراحل المرحوم الدكتور السيد جودت القزويني كان قد سافر من (لندن) الى ( ادنبره ) لمقابلة استاذ جامعي هناك تمهيداً للاتفاق معه على أنْ يكون المشرف على رسالته لنيل الدكتوراه وحين سافر اشتدت وحشتي – رغم انّ سفرته لم تدم طويلا – فكتبتُ له هذه الرباعية :
أَدْبَرَ أُنْسِي يومَ
سافرتَ الى ( أدنبرهْ )
وجئتَ فانزاحَتْ
عن القلبِ دياجٍ كَدِرَهْ
إنَّ الليالي بك يا
أغلى حبيب مُقَمره
ان كان حبي رَوْضَةً
فانتَ فيها الثمره
كان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي
وقد أثْبَتَها – عطّرَ اللهُ مرقده – بعد ذلك في كتابه ( الروض الخميل ) ج8 ص 169
وفي روضه الخميل قلتُ :
روضُكَ يا ( جودتُ ) روضٌ خَمِيلْ
وفيهِ للأحبابِ ظِلٌ ظِليل
يشتاقُه عقلي ويهفو له
قلبي ويشفي مِنْ جوايَ الغليلْ
كما كتبتُ له عن روضه الخميل أبيات لم يبق عالقاً في ذهني منها الاّ قولي :
طَيُوبٌ مِنَ ( الروضِ الخميلِ ) توافينا
فَتُورقُ حتى ذابلات قوافينا
وتمسحُ في كَفٍّ مِنَ الرِفْقِ أَعْيُنَاً
لَعّلَ غبارَ الدَرِبِ أَرْهَقَها حِينَا
-4-
انّ ازجاء الشكر لمن يُسدي اليك يداً بيضاء هو احدى المفردات المهمة في قاموسنا الأخلاقي .
وقد أجرى لنا الدكتور الجرّاح أمير المختار – حفظه الله تعال – عملية كبرى لاستئصال المرارة في أخريات التسعينات من القرن الماضي – بعد التهاب حادٍ ومضاعفات خطيرة – وبذل جهداً كبيراً استحق عليه الشكر منا فقلت أخاطبه :
( أميرٌ ) كما سُميّتَ أنتَ وتزدهي
بك اليوم آفاقُ المكارمِ والطِبِّ
وقد طوّقَتَنِي مِنْكَ أندى مواقفٍ
يخلدها بالحُبّ عَبْرَ المدى قلبي
وتشدو القوافي ( بالأمير ) ولطفهِ
وخيرُ كنوز المرء أَرْصدُةُ الحُبِّ
فَخُذْها مِنَ ( الصدر ) المُحبِّ تَحيّةً
مباركةً واسطعْ مناراً على الدَرْبِ
-5-
وصديقنا العزيز الدكتور عبد الرحيم حسن يتميز بدماثة الاخلاق ، وبحسّه الأدبي المتميز ، حيث كان أحد أبرز العاملين في مجلة (العالم) التي كانت تصدر في لندن ،وقد كتبت له في رباعية اعرب فيها عن حبي وتقديري فقلت :
بريقٌ بعينِكَ قد دلّني
على أنّ ذاتَكَ نبعُ الَسنا
وأنَّ ابتسامَكَ صبحٌ جميل
يُثير بنفسي اشهى المُنى
لقد كنتَ ( عبدَ الرحيم ) الشرُوق
وصحوَ المفاتن في أُففْقِنا
عرفتُك لكن بهذي السمات
فهل أنتَ تعرفني مَنْ أنا ؟
-6-
وكنا نحتفي بالعلماء والادباء القادمين الى لندن ولم تكن تخلو مراسم الاحتفاء من الشعر
وفي احدى زيارات المرحوم الدكتور العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي الى لندن خاطبتُه قائلاً :
أطلَّ ففاضتْ بالرواء جداولُهُ
فَمَنْ ذا يجاريهِ ومَنْ ذا يساجِلُهْ
وللفضلِ في عينيه سِحْرٌ مُتَيِمٌ
فقد كَرُم ( الهادي ) وطابتْ مناهِلُهْ
لئن كان نَبْعا للفضائل زاخراً
فايُّ فؤادٍ لم تُثِرْهُ فواضِلُهْ
وفي (لندنٍ) مُذ جاءها فاح عابقاً
عبيرٌ وحُبٌّ واستُطيبتْ خَمائِلُهْ
وراح لسانُ الشعر يهتفُ قائلا :
بانَّ القلوب الحانياتِ منازِلُهْ
ولا تسع هذه المقالة الوجيزة ايراد المزيد من قوافي الذكريات او الذكريات المقفاة فلتكن هذه الابيات ختامها .
رحم الله اصدقاءنا الراحلين ، وحفظ الأعزاء الباقين ، ووفقنا وايّاه
حسين الصدر