يوسف عبود جويعد
في واحدة من السرديات الروائية التي تتعلق بالمرأة وحياتها ،ومعاناتها وتفاصيل كبيرة وواسعة، يقدم لنا الروائي آريان صابر الداوودي روايته الموسومة (سين النسوة)، وهي من الثيمات التي تناولها الكثير من الرواة في نصوصهم السردية، وبأشكال ومضامين ورؤى فنية مختلفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، رواية (هزار) للروائي اسماعيل سكران، وكذلك رواية (امبراطورية الثعابين) للروائي احمد الجنديل، وفي هذه الرواية نكون مع الخطاب الإنساني بخط متصل، كونه المسار الأول والمركزي والبؤرة الرئيسية الذي انطلقت منه المسيرة السردية ودارت به دورة الأحداث، إذ يضع الروائي حالة إنسانية مهمة يجب الانتباه إليها، وظاهرة إنسانية مثيرة للاهتمام، وقد أولى مهمة إدارة دفة الأحداث لبطلة الرواية (سمر) ، إذا يجد في ذلك ضرورة ملحة لأنها الوحيدة من الشخوص التي بإمكانها أن تحافظ على إيقاع وانسيابية الأحداث، كذلك استدراج المتلقي لمتابعة تفاصيل حياتها وما حدث لها والمحافظة على الحس الإنساني لفتاة مغلوب على أمرها، وزجت عنوة في طريق مليء بالأخطار المضمر والمكشوف في المبنى السردي، كون أن الروائي عمد الى تناول هذا النص السردي من الفصول الاخيرة للأحداث، من أجل أن يجد المبرر الطبيعي لرفد الرواية بتفاصيل حياتها والاسباب التي أدت بها أن تختار هذا العالم الاحمر، عالم العهر والدعارة والخمر والسهر، عالم الرجال الذين يبحثون عن صيد سمين وسط النوادي الليلية، ولأنها رفضت أن تزج في عالم الدعارة لتكون واحدة من بائعات الهوى، فقد عملت، نادلة داخل النادي الليلي تقدم الطلبات للزبائن مبتعدة قدر استطاعتي من هذا الباب الذي قد يلوث حياتها، ويهمش شخصيتها، ويجعلها إنسانة تحت الطلب، وهي تفكر بالخلاص، وليس أمامها أي منفذ يفضي بها الى النجاة، ومن خلال هذا التمهيد الشيق والذي مهد له الروائي، من أجل أن يزج الروائي بالشخصية الثانية في هذه الرواية، الا وهو بختيار، الذي وجدت فيه سمر المنقذ، والانسان الذي يمكن لها أن تجد فيه ضالتها المنشودة، كونه يأتي الى النادي الليلي مع ثلاثة أصدقاء، لكنه لا يحتسي الخمر معهم، ويظل يعبث في موبايله طيلة فترة جلوسهم:
( من حسن حظي أن المجموعة كانت منشغلة، ترك الموبايل، رسم ابتسامة وهز ّرأسه قبل أن يرد بالنفي، وكأنه يقول لي انصرفي، لا أحتاج منكِ شيئاً، تعمّدت الوقوف وتجرأت… سألته إن كان يريد مشروباً، قال إنه لا يشرب، هززت رأسي ، ولا أعلم كيف تجرأت وسألته عن اسمه، قال: بختيار، ثم صمتَ قبل أن يرد بنبرات حنونة ، وما اسمكِ أنتِ، وقتها كنت أشعر أنَّ قلبي سيخرج من صدري، قلت (سمر)ص16
عندها سننتقل إلى ما أحدثه بختيار في نفس وروح قلب سمر ، عندما أحست أن هذا الفارس المنقذ تتوفر فيه كل الصفات التي تتوافق ما تريده من فارس احلامي، وهي انتقالة موفقة من عنصر التعريف، الى الحبكة ، حيث يعتبر هذا اللقاء، مفتاح رئيسي، للأبواب التي كانت موصدة، من خلال ما أحست به سمر نحو بختيار ، وهو خليط منسجم والسياق الفني الذي يتطلبه المبنى السردي لهذه الرواية، ويتألف من تعلقها به، وإثارة وتدفق الاحداث المسكوت عنها في ذاكرتها، ونشوء الاحساس بالكره بالعمل والدخول في هذا العالم الأحمر، وكذلك نبذها لحيات زميلاتها في هذه النادي اللواتي يمارسن الدعارة بشكل مكشوف، وممارسة حتى السحاق بينهن، وكذلك المحاولات الملحة من قبلهن لزجها معهم، ثم نكون مع دورة تصاعدية للأحداث نحو بلوغ حالة التأزم والذروة ، فبعد أن تتعمق العلاقة بين سمر وبختيار، ومرور الاحداث بأكثر من مسار سردي، تطلب سمر إنقاذها واخراجها من هذه الحفرة المظلمة من بختيار أن يجد لها عمل نظيف، بعيداً عن الذئاب البشرية، وهنا وجب على الروائي أن يدخل التعريف مرة اخرى في المبنى السردي، حيث يطلب بختيار من أجل أن يعرفها أكثر أن تكتب تفاصيل حياتها السابقة، وهو بمثابة الميتا سرد لهذا النص، بعد أن تتأزم حالة سمر من الناحية المادية لطردها من النادي بحجة أنها لا تفعل كما يفعلن زميلاتها بممارسة الدعارة والفسوق، ونكتشف في هذا الميتا سردـ أنها تعيش تحت كنف والديها وأخيها رامي، فيموت أبيها في الحرب، وتلتحق به والدته بعد تردي حالتها الصحية، ويذهب أخيها رامي من كردستان محافظة السليمانية-سرجنار- حيث تدور الاحداث الى بغداد لمحاولة الوصول مع عمه الى حل للحصول على ارث ابيه ، فيُفقد ولم تجد له أثر وتظل وحدها ، ومن خلال جارتها تضطر الى الدخول الى هذا العالم
( كنت أقضي طوال الوقت برفقة (سركول) ، هي تخرج مع غروب الشمس ولا ترجع الا في وقت متأخر من الليل ، الفضول دفعني الى ان اعرف العمل الذي تقوم به، أحياناً اطلب منها أن ارافقها، كانت تقول أن عملها صعب، لم أفهم مغزى كلامها، حتى وافقت في يوم أن تأخذني معها ) ص 133
ثم ننتقل الى بختيار الذي بذل جهداً مضنياً من أجل أن يحصل لسمر على عمل ومأوى نظيف، ويتحقق ذلك من خلال التاجر الذي تعاطف مع حكايتها وامن لها مأوى وعمل
وهكذا استطاع بختيار اخراجها من هذا البئر، لتمارس حياتها الطبيعية، وتنفرج الاسارير أكثر وهي تتلقى اتصال هاتفي من اخيها رامي:
( نقرت على زر الرد، لأسمع صوت أخي وهو يتكلم بصعوبة:
- سمر .. أنا (رامي)، أفرجوا عني قبل قليل ، أنا في أحد المطاعم القريبة من الخالص، حاولي أن تساعديني) ص159