عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
الرئيس الطالباني من الشخصيات البارزة والاستثنائية في تاريخ العراق المعاصر.. ومن يتابع سيرته سيجد تاريخاً حافلاً بالدفاع عن القضايا العادلة والمواقف المشرفة.. سيجد بشخصه وسنوات عمله تاريخ كفاح الشعب الكردي والعراقي للعقود السبعة المنصرمة، وهو ما سيكون ملهماً، ولاشك، لاجيال كاملة من الشباب سواء في التصدي للظلم، والدفاع عن الحقوق المشروعة، مع القوى القومية والوطنية والاسلامية الكردية والعراقية والعربية والمناطقية، خصوصاً في ايران وتركيا. فقامة كالطالباني أكبر من ان تستوعبه ساحة واحدة، فساحاته كبيرة بحجمه، وقضاياه هي القضايا الكبرى. فأينما يكون الطالباني تكون ساحات الكفاح الاكثر أهمية وجدية وحيوية. فهو قريب من الجميع، لذلك يعتبره الجميع قريباً منهم.. يتصدى لقضاياهم بالجدية نفسها ، وكأنه واحد منهم ،حتى وان اختلف معهم في الهوية والفكر.. هكذا حاله مع الكرد، ومع العرب والتركمان والايرانيين والاتراك والاوروبيين والاسيويين، وهكذا الامر مع الحركات القومية او الاممية، او مع القوى العلمانية او الاسلامية.. فيصفه احد اصدقائه ومحبيه، وهو الجنرال قاسم سليماني قائلاً، ان الطالباني لم يكن «اسلامياً»، لكن روحه ومواقفه كانت كذلك.
كان يختلف ويتفق، يخاصم ويتصالح.. لا يبرر اخطاءه، بل يعترف بها حتى ولو نالته شخصياً. يقولون ان الطالباني يغير مواقفه ويرفع اشرعته حسب الرياح. هؤلاء يخلطون بين المساومة لمصالح خاصة على حساب المصالح العامة، وبين القيادات الشجاعة والحكيمة التي عندما يتغير الظرف، ويتغير اتجاه الريح فانه سيخون مبادئه ويفقد فرص انتصار قضيته، من لم يراجع حساباته، ويعيد رفع اشرعته بما ينقذ السفية ويدفعها بالاتجاهات الصحيحة. فالطالباني شجاع عند المنازلات، ورجل وحدة عند الفتن والانقسامات، وصاحب قرار ويسارع الى المبادرات واستنهاض الهمم، عندما يصاب الجميع بالاحباط، وعندما تغلق جميع الابواب. فكم من نكسة وهزيمة حولها الى انتصارات ونجاحات. وان تأسيس «الاتحاد الوطني الكردستاني» وتجربته من حيث الظرف وقتها والمباني التي قام عليها، خير دليل على ما نقول.
هناك تيار واسع الانتشار في صفوفنا لا يرى سوى النواقص والسلبيات، ويعتقد انه بالكلام عنها والتأكيد عليها سينجح في تحقيق النجاحات، بينما ما يشيعه هو تربية الاحباطات، وعدم استثمار النجاحات، والبقاء في دوائر العجز والفشل. فقط بادراك الايجابيات والانطلاق منها يمكن معالجة السلبيات. لذلك كان الطالباني يكرر أهمية المشي على قدمين والنظر بعينين والاستماع باذنين.. اي رؤية الايجابيات والسلبيات، وعدم الغرق في الاحادية، بل التمتع دائماً برؤية شاملة تحيط بمجمل الاوضاع ليتسنى الخروج منها بافضل الحلول.. كان الطالباني من ثلة من الرجال الذين لولا وجودهم، لما تخلصت البلاد من الدكتاتورية والاستبداد، ولما استطاعت اقرار الدستور، وتجاوزت ازمات ومنعطفات خطيرة كادت ان تطيح بالبلاد، او تشعل معارك وفتنا يعرف الله وحده مدى الخسائر التي كان يمكن ان تقود اليها. فجزى الله الطالباني خير الجزاء عنا جميعاً.
هل يجب انتظار نصف قرن لانصاف الطالباني، كما نفعل اليوم في انصاف الكثير من رجالات المرحلة الملكية او الجمهورية السابقة.. فمن المؤسف القول ان الادب السياسي العراقي هو ادب تخاصمي يرى الجزء وينسى الكل.. ويرى النواقص والسلبيات ولا يرى النجاحات والايجابيات. وهذه ليست قضايا فردية بل قضايا فكرية وتأسيسية. فالكلام اليوم بايجابية مطلقة عن رجالات تلك المراحل بعد ان كان الكلام يومها بسلبية مطلقة، فقد الكثير من فاعليته وايجابيته واصبح جزءاً من تاريخ لا يفعل في الحاضر ولا يبني لمستقبل. فرجالات تلك العهود تعرضوا للشتم والتسقيط والسحل والقتل صبراً عندما كنا نحتاج لفهم بعض طروحاتهم، او للاستفادة من ايجابياتهم، ومراكمتها بما يسمح ببناء ثقافة لديها حصانات اعلى لمقاومة السلبيات والسقوط في الاخطاء. فهل سنتعلم الدرس؟ ام نستمر على المناهج الخاطئة؟
خسر العراق شخصية فذة.. ويجب ان لا نخسر تجربته وما يمكن ان نتعلمه من دروس من سيرته وانجازاته.. فرحم الله الفقيد الغالي واسكنه فسيح جنانه، وإنا لله وإنا اليه راجعون.
في أربعينية الرئيس الطالباني
التعليقات مغلقة