كاظم مرشد السلوم
مثلما كان هناك اتجاهات مختلفة للسينما الروائية ، نظر لها كبار المخرجين والمنظرين السينمائيين المهمين، وتطورت فيما بعد الى مدارس سينمائية مهمة ، كذلك فإن للسينما الوثائقية اتجاهاتها المختلفة، التي أختزلها منظروها والعاملين عليها باتجاهين فقط، حكما تطور وتعامل السينما الوثائقية مع الواقع ،وقد أنعكس تأثيرهما حتى على تطور السينما الروائية” الاتجاه الاول يرى ان السينما الوثائقية مرآة تعكس الواقع من دون تدخل من المخرج أو الممثل ،وعبر عن هذا الاتجاه منظرون كبار مثل الالماني زيغفريد كراكاور والفرنسي أندريه بازان ،انطلاقا من تحليليهما لمجموعة من الافلام الوثائقية في بداية القرن العشرين مثل افلام الامريكي روبرت فلاهرتي نانوك رجل الشمال ورجل من آران، وعدّا ان ما يميز هذين الفلمين هو تصويرهما للواقع المباشر من خلال اســلــوب الملاحظة الطويلة ، وليس المونتاج. لكن هذا المفهوم الذي يعطي للواقع الاولوية ، كان يتجاهل حقيقية ان غياب شخصية المؤلف ، وغياب وجهة نظر المخرج خاصة تفقد الفيلم قيمته الفنية ، لانه من غير الممكن النظر الى الواقع نظرة مجردة عن كل ما يحيط به ، نظرة تستوعب العلاقات الموضوعية المتبادلة فيه .فعندما يجد المخرج /المؤلف امامه واقعا امينا معينا يريد التعبير عنه فانه يحدد الموضوع ويختار الحقائق والوقائع المتعلقة به ,وهذا الاختيار لا يمكن ان يكون سلبيا ومعزولا عن ثقافة ووعيه وحساسيته.
والاتجاه الثاني ينظر الى الواقع لا بوصفه هدفاً، بل كطريق للوصول الى الهدف وهو التعبير الفني عن الواقع من قبل الفنان ولكن من خلال مادة الواقع نفسه التي تستخدم كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها . وهذا الاتجاه هو ما عبرت عنه السينما من خلال اعتمادها بشكل اساس على اعادة تنظيم الواقع بهدف بناء الموضوع وتوضيح الفكرة ، بوساطة المونتاج حيث يتراجع الواقع المباشر الى المرتبة الثانية ويحتل المونتاج ووجهة نظر المخرج المرتبة الأولى، وأبرز منظري هذا الاتجاه هو المخرج (دزيغا فيرتوف )
إذن كل من الاتجاهين يتعامل مع فلسفة الحقيقة والواقع بالطريقة التي يراها مناسبة وبما تحدد توجهات صانع الفيلم وما يريد ان يقوله وفقا للاتجاه الذي يراه مناسبا له ويؤمن فيه