د.محمد فلحي
الحرب العالمية الثالثة التي كان العالم يخشى اندلاعها في أية لحظة،نتيجة التكدس الهائل لأسلحة الدمار الشامل،قد بدأت فعلاً وليس قولاً، من خلال انتشار فايروس كورونا منذ نحو أربعة أشهر،وما يزال يحصد أرواح آلاف الضحايا يومياً،في أغلب دول العالم،حيث تشتد معركة مستمرة سلاحها العلم وميدانها الطب وهدفها الحياة،ويخوض الأطباء ومساعدوهم هذه المعركة بشرف وإخلاص،ويقدمون كل يوم المزيد من الضحايا،في حين يلوذ الناس في بيوتهم خشية العدوى،ولا نجاة من الموت، الذي يفر منه الجميع،سوى الأطباء الشجعان،في صورة رائعة رسمها أبو الطيب المتنبي قبل ألف عام:
وإذا لَمْ يَكُن مِنَ المَوتِ بُدٌ …
فَمِنَ العَـارِ أَنْ تَمُـوتَ جَبَانَـا!
أرقام مفزعة عن وفيات الأطباء والكادر الصحي،في معركة كورونا، وخسائر لا تعوض في بلد مثل العراق يعاني، منذ عقود من تداعي النظام الصحي،وقلة المستشفيات والأطباء والمستلزمات والأجهزة الحديثة!
لم يعد الحظر كافياً لمواجهة الخطر،نتيجة عدم الالتزام بالتوجيهات الطبية وقلة الوعي،لكن المواجهة مستمرة، وفي سياق الهجوم المقابل، كلف مجلس الأمن الوطني وزارة الصحة، وبالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، بتوجيه الدعوة لطلبة كليات الطب في جامعات العراق كافة، للمرحلتين الخامسة والسادسة الراغبين بالتطوّع للعمل في المستشفيات بهدف دعم الملاكات الطبية، على أن تُعتمد تلك المشاركة ضمن التقييمات العلمية للدراسة والدرجات المطلوبة للنجاح!
لا نشك في أن الأطباء الشباب لن يقصروا في تلبية نداء الواجب الإنساني والوطني، فهذه فرصة قد لا تتكرر،وسوف يرتدون قمصانهم البيض وينزلون إلى الميدان لإنقاذ الأرواح البريئة، ويسطرون أروع الصفحات في هذه المعركة الشريفة بين فايروس لعين قاتل وعقول علمية وطبية مبدعة تعرف قيمة الحياة ومعنى الحفاظ عليها، في حين يواصل صناع الموت والخراب نعيقهم بلا ضمير!
في ذروة اشتداد معركة كورونا،هل نسيتم أن هناك أكثر من ثلاثة آلاف طبيب متخصص واستشاري قد أحيلوا على التقاعد في مطلع العام الحالي،وفق التعديل الجديد لقانون التقاعد،الذي قضى بتخفيض سن التقاعد للأطباء والكفاءات العلمية، في حين تعمل جميع الدول المتقدمة على رعاية عقولها العلمية واحترامها وتوظيف خبراتها حتى نهاية العمر!
كانت حجة المشرعين في تخفيض سن التقاعد توفير درجات وظيفية للشباب، وعلينا أن نتساءل بعد مرور ستة أشهر على تنفيذ القرار وإخراج كبار الأطباء والأساتذة من الخدمة الوظيفية، كم عدد الشباب الذين جرى تعيينهم،وهل هم قادرين على شغل مكانة أساتذتهم!؟.. أليس من الحكمة أن يتم تبادل الخبرات بين الأجيال بطريقة حكيمة وعادلة بدلاً من الارتجال واستمرار الفوضى، التي نرى صورها في كل مكان، ولعل من أخطر الأماكن اليوم ردهات المستشفيات التي تعاني من قلة الأطباء وشحة الدواء وتزايد أعداد المتوفين، وهو ما يقتضي قراراً سريعاً من الحكومة والبرلمان لإعادة الأطباء المتقاعدين دون تأخير!