(الأداء الروائي) / (الأداء الدرامي) في الدراما العراقية.. يسكن قلبي انموذجاً

1 – 2

عمر السراي

أولاً:

يقوم السرد بنقل الأحداث من كونها خزيناً فكرياً متخيّلاً أو واقعاً إلى وسائط متعددة ليتناولها التلقّي، ووسائط نقل الأحداث عدّة، وعند الحديث عن الدراما التلفزيونية، يكون المسلسل هو وسيط العرض على أداة توصيل هي الشاشة، ولوسيط العرض هيمنة على ما ينقله، وذلك ما يجعل حدثاً منقولاً عن طريق الرواية مثلاً، مختلفاً عند نقله عن طريق المسلسل، وهنا يبرز دور المبنى السردي، بوصفه الكيفية التي تنقل الحكاية التي هي (المتن السردي)، ولعدم وجود حكاية إلا وهي في حالة (انبناء)، يتّجه النقد نحو تقنيات الوسائط في نقل الأحداث.

من زاوية أخرى، يقوم (الأداء) بتنظيم عملية النقل، لذا هو الحاكم في استلال ما يجري واقعاً أو خيالياً من منطقتيهما، إلى القصص سواء أكانت مقروءةً أو مسموعةً أو مرئيةً.

ثانياً:

في مسلسل (يسكن قلبي) للكاتب باسل شبيب والمخرج أكرم كامل، يلاحظ المتابع تفوّق النظام الأدائي للرواية على النظام الأدائي للمسلسل/ الدراما، وفي القول السابق خللٌ أكاديمي؛ إذ تم القفز إلى نتيجة أولى قبل التحليل، وسبب هذا القفز ضرورة صحفية ليس إلا.

إن تفوّق الأداء الروائي على الأداء الدرامي جعل المسلسل بعيداً عن إجادة استثمار تقنيات الدراما، وغير موفق في اعتماد تقنيات الرواية، وتلك مشكلة شبه عامة في عدد من المسلسلات العراقية، التي تظل متأرجحة بين وسيطين، بينما تجاوزت السينما والدراما الغربية هذا الأمر منذ زمن، فحب في زمن الكوليرا بوصفها روايةً، تختلف جداً عن حب في زمن الكوليرا بوصفها فيلماً وإن كانت الحكاية واحدة.

ثالثاً:

* المتن الحكائي لمسلسل يسكن قلبي:

رجل ينتمي لأرستقراطية بغدادية، يعود من الخارج ليبيع أملاكه بعد فشل علاقته مع زوجه الساكنة في اسطنبول، إذ يمارس عامر العائد من الخارج (محمود أبو العباس) دور الجوّال في العاصمة. بينما تعيش ماجدة (شذى سالم) مع أختها وزوج اختها وابنه – بوصفهم حرّاساً- في بيت أسرة عامر المعروض للبيع، و(ماجدة) بطلة المسلسل مطلقة بسبب تهمة باطلة طُعن بها شرفها من قبل زوجها الذي يجسّد دوره الممثل (مناضل داود) إذ أوغر صدر ابنه أنس (باسم الطيب) ضابط الشرطة على أمه، بينما أنس الضابط، يعاني من مشاكل نفسية بسبب والدته، وبسبب متابعته لجرائم سرقة يقوم بها أخوه غير الشقيق (علي نجم الدين).

رابعاً:

* المبنى الحكائي لمسلسل يسكن قلبي:

– ثمة ضعف واضح في ربط الأحداث على وفق مبدأ السببية التي تصنع الحبكة في السرد، ويتّضح ذلك من تشظّي المجريات ودخول أحداث لا علاقة لها، أو غير مسببة بصورة كافية، وقد مال الكاتب فالمخرج إلى اعتماد تداعيات الذاكرة والمونولوج في كثير من المفاصل، بينما تحرص الأعمال الناجحة عادة على تقليل هاتين التقنيتين في العروض التلفزيونية عن طريق ابتكار شخصيات يفضي لها البطل بما يبوحه في داخله في حالة المونولوج، أو اعتماد السرد المتوازي أو الحوار الحر غير المباشر لنقل أحداث الذاكرة، للتركيز على الأداء الدرامي، وتقليل مساحة الأداء الروائي، فما يُسجل جمالاً في الرواية، ليس بالضرورة أن يُسجل جمالاً في الدراما، لاختلاف وسائط العرض.

خامساً:

قسّم الشكلانيون الروس السرد إلى حوافز (أحداث)، وفواعل (شخصيات)، و(عوامل) علاقات تربط الشخصيات فيما بينها، فالشخصية بنيوياً كائنات ورقية في الرواية، أي هي كائنات شاشة درامياً، وتحدد الشخصيات على وفق العلاقات الرابطة فيما بينها وبين الأحداث، وفيما بينها وبين الشخصيات الأخرى.

ثمة نقطة ضوء في طروحات الشكلانيين، تخص الحوافز التي قسّموها إلى (حوافز مقيّدة) و(حوافز حرّة)، وباختصار، الحوافر المقيدة هي الأحداث الرئيسة التي تمثل متن الحكاية، بينما الحوافز الحرة هي الأحداث التي لو حذفناها لن يتغير شيء من الحكاية، فمثلاً، الحوافز المقيدة في قصة نبي الله يوسف في القرآن، هي: (الحلم، الخروج مع اخوته وإلقاؤه في البئر والتقاطه من السيّارة، حكمه لمصر، الرجوع لأبيه) بينما الحوافز الحوافز الحرّة: (دخول اخوته من أبواب عدة، وضع البضاعة في خرج أخيه الأصغر، إلقاء قميصه على أبيه، الدم الزور على قميصه) وفي التصنيف وجة نظر لكل باحث؛

ونقطة الضوء في هذه الفكرة الشكلانية، هي أنهم يعدّون الحوافز الحرة/الطليقة، التي لو حذفت لن تؤثر في متن الحكاية، هي الأساس في العملية السردية، لأنها القادر الوحيد على دفع عجلة السرد إلى الأمام، وهم على حق بذلك، فكثيراً ما رسخت في أذهاننا رقصة أو أغنية أو لقطة بسيطة لفيلم أو مسلسل، بينما تذوي قصة الأفلام في طيّات الذاكرة.

وعند الحديث عن مسلسل يسكن قلبي نجد أن أبرز حافر حر فيها، هو ما جسّده نديم (مازن محمد مصطفى) الشخصية المجنونة لشاعر عُذّب على أيدي النظام الديكتاتوري السابق، ليظل سائحاً يمثل نبض الحقيقة في زمن أهوج، وهنا سأوقف عجلة سرد المقالة هذه، لأسجّل تحية كبيرة لمازن محمد مصطفى، الذي قدّم عملاً بارعاً لو قطعناه وحده لتوهّج مشيراً للإبداع.

وبعد.. الحافز الحر الذي مثلته شخصية المجنون كان غير موفق، إذ لم يجهد الكاتب أو المخرج نفسيهما في تكوين خيط سحري يُدخله في صلب العمل، إنما بقي أداء الشخصية وحوارها العالي منعزلين عن سيرورة الأحداث الرئيسة.

– بتحليل مستويات الشخصية، يُرى أن هيمنة الشخصية المثقّفة، معرّفةً بلهجتها وأسلوب حديثها على الأعمال العراقية باتت ظاهرة مشخّصة، وفي ذلك ابتعاد عن الأداء الدرامي، واقتراب من الأداء الروائي، بوصف الرواية منتجاً أدبياً لمستوى ثقافي أعلى من المستوى الثقافي لمتلقّي المسلسل الذي تتابعه الشرائح الاجتماعية كافة، ولأن المتلقي يميل عند متابعة الدراما إلى المقارنة مع الواقع، فمن غير المستغرب أن يعترض على الحوار العالي الذي يدور بين الضباط في مركز الشرطة، كما يعترض على علوّ مستوى الحوار في الأزقة والأسواق، وذا يشكّل استفزازاً للمشاهد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة