إعمار مجتمعي

اكثر من ثلاثة عقود بقي فيها الانسان في العراق تحت رحمة العوز والحرمان والتهميش والاضطهاد وتركت الحروب العبثية آثارها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على حياة العائلة العراقية ولم ينج من هذه الآثار طفل او أم او أب او شيخ واصبح العراقيون مجتمعاً متفرداً في مقاومة الضغوط وأسهمت هجرة ملايين العراقيين وتركهم البلاد في التعريف بالقضية العراقية ومايعانيه الشعب من مظلومية كبيرة ومعاناة واسعة في تلبية الاحتياجات اليومية في وطن كان في السنين الماضية موئلا للشعوب الأخرى في طلب الرزق والعيش الكريم ..ولم تفلح جهود الحكومات المتعاقبة منذ سقوط النظام السابق في معالجة الآثار الواسعة في البنية المجتمعية وأسهمت الاخطاء في خطط التغيير والاصلاح في تفاقم ظواهر اجتماعية تمثلت في تهميش الطاقات واهمال الكفاءات وضياع الفرص لاستيعاب ملايين الشباب في العراق في النشاطات الايجابية التي تدر على الدولة اموالا ومنافع وتفتت نسيج العائلة بزيادة حالات الطلاق واليتم وتفضيل العزلة والعزوف عن الزواج وتفشي أمراض نفسية أخرى واقتصرت هذه الخطط على الدفع بمشاريع خدمية واقتصادية استهدفت اعمار البنى التحتية من دون ان تلتفت الى اعمار الانسان العراقي الذي اصابه الحيف واحاطه القهر وعانى من السياسات القمعية والاضطهاد وتوزع افراد عائلته بين مهاجر ومهجر ومعتقل وشهيد واسير ومعوق..
وصار من المألوف ان تشاهد في اوروبا واميركا ودول أخرى مئات الألوف من العراقيين وهم يقيمون في هذه البلدان وقد آمنوا بانهم اصبحوا في اوطان جديدة وحياة جديدة مع تلاشي الامال بتحسن الاوضاع في وطنهم ..ولربما جاءت دعوة رئيس الوزراء حيدر العبادي الى العراقيين الذين طلبوا اللجوء في المانيا مؤخراً ومطالبته اياهم بالعودة الى العراق مع قرب تحرير مدينة الموصل متأخرة جداً ولاتتسق مع ملف ضخم ومعقد يحيط بظاهرة هجرة وتدفق ملايين العراقيين الى الخارج ..ونحن هنا نريد من رئيس الوزراء واعضاء حكومته والبرلمان ايلاء هذا الملف اهمية قصوى لانه يتعلق بحاضر ومستقبل منظومة مجتمعية عراقية كاملة عمادها العائلة العراقية ويرتبط باصلاح مجتمعي غابت عنه الدولة العراقية كثيراً وتأخرت معالجاتها وسط تداعيات الحرب على الارهاب والتحديات الامنية والعسكرية التي واجهها العراق على مدى السنوات التي اعقبت التغيير في العراق ونطالب بأن يكون اعمار الانسان واعادة تأهيل المجتمع ضمن أولويات المشاريع المقبلة وان تضطلع الدولة بكل طاقاتها بهذه المهمة الوطنية بما يوازي تضحيات العراقيين من اجل وطنهم.
د.علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة