د.محمد فلحي
وفاة المخرج الشاب المصري شادي حبش في السجن لاتهامه بالإساءة للرئيس السيسي في إغنية(بلحة) التي غناها المطرب رامي عصام،يفتح ملف العلاقة بين السلطة والفنان، وما حدود حرية التعبير في الإعلام والأدب والفن،ومتى يحق للحاكم محاكمة المثقف وسجنه،وهل يكون المبدع في خندق الحاكم أم بين صفوف الشعب،وما الفرق بين هذا وذاك، وما ثمن كلٍّ من الموقفين!؟
مصادر حقوقية مصرية أعلنت يوم السبت الماضي وفاة الفنان حبش بسجن طرة حيث كان يقضي عقوبة سجن لعامين بسبب إخراجه لأغنية ساخرة حملت اسم (بلحة)غناها المطرب رامي عصام، الذي حقق شهرة عالية عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011، ولقب بلقب (مغنى الثورة) بسبب إصداره العديد من الأغانى التى هاجمت الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وحصلت على إعجاب شديد من قبل الشباب المؤيدين للثورة مثل أغنية(إرحل).
أثارت أغنية (بلحة) جدلاً كبير على مواقع التواصل الإجتماعى، وبخاصة الفيسبوك، حيث إعتبرها بعضهم سخرية من الرئيس عبد الفتاح السيسى، وذلك بعد إستخدامه لفظ (بلحة) في أحد خطاباته.
البلحة في اللهجة المصرية تعني(التمرة) كما تعرف باللغة العربية،أي ثمرة النخيل،من أطيب ثمار الأرض،وقد وردت كلمة (البلحة) في خطاب للرئيس المصري أراد أن يقول فيه أن شعبه يمكن أن يعيش على الكفاف ولو اشتركوا جميعاً،في بلحة واحدة،فهي تكفيهم وتزيد،علماً أن عدد المصريين يقترب من مائة مليون!
الأشقاء المصريون اقتطفوا (البلحة) من سياقها، وجعلوا من خلال سخريتهم المعروفة هذه الكلمة لقباً لرئيسهم، سرعان ما انتشر على مواقع التواصل وفي محركات البحث،فلو كتبت في تويتر كلمة (بلحة) ستجد صفحة السيسي أمامك!
شخصية(بلحة) كانت ظهرت في فلم للفنان محمود عبد العزيز الذي قام بدور شخصيتين أحدهما المجنون بلحه وثانيهما المواطن العادي،وكلمة البلحة سواء كانت تمرة أم شخصية سينمائية أم لقب رئاسي،فهي تصلح اليوم أن تكون أيقونة لكل الدول العربية، الغارقة بالفشل والفساد والفوضى والإرهاب والجوع،فالثروات تبخرت والفلوس تبعثرت والنفوط هبطت،وكورونا انتشرت، وإن الحلم العربي قد تضاءل حتى أصبح أقصى ما يتمناه المواطن(بلحة) معلقة في عذق نخلة في صحراء العرب!
اغنية (بلحة) بعد موت مخرجها وتهديد مطربها ومؤلفها،قد تكون في المستقبل نشيداً قومياً، يلخص المأساة العربية، ويعبر عن خيبة آمال أجيال من الشعوب، التي رفعت الشعارات ورددت الهتافات وفجرت الثورات وصعدت الزعامات فحصدت حفنة من البلحات!
هل تعد هذه الأغنية ضمن حرية التعبير أم أنها تجسيد لثقافة الوقاحة أم من محظورات التجاوز على مقام الرئاسة!؟..قد تكون خليطاً من كل تلك الصفات كلها ،ولنقرأ بعض مأساتنا في مقاطع من كلماتها:
يا حلوة يا بلحة يا مقمعة
خلصتي سنينك الاربعة
طولت علينا بطلتك،
وزهقنا خلاص من خلقتك
إلهي ينور صلعتك
ويصيبك حظك م الدعا،
وتلم ف إيدك شلتك، وتنور سجن المزرعة
اربع سنين عدوا كده،
والشعب مش لاقي اللضا مديت ايديك لده وده
بتعبي في قروش القضا، وان قولت تبني لجيل جديد
تعمل سجون بأبواب حديد
تسلم يا زعيم المرقعة”