جمال جصاني
عندما نتوقف قليلاً عند هذا المطلب (الانتخابات المبكرة) والاجماع الذي حصده من شعوب، يعد الاختلاف عندها في جميع القضايا جزء من ترسانة ثوابتها الجليلة، ذلك الارث الذي جاءت الصيغة الرثة للمحاصصة كي تمده بكل ما يحتاجه للتمدد والبقاء؛ فان الامر يستحق الكثير من التمعن والاهتمام. هذا الاتفاق “المبارك” على اجراءها، يعني انها لن تحمل حلولاً مثيرة للامتعاض أو الحساسية لاي طرف من هذه الاطراف، لا سيما وانها من السبل التي تعتمدها النظم السياسية (الديمقراطية)، لاجل فك الاشتباكات باقل الخسائر الممكنة. الاستعانة بها في مثل هذه الاوضاع المتخمة بالمخاطر والتحديات المصيرية، امرا مفيدا ومجرباً، لكن ما يستحق الاهتمام والالتفات اليه من كل ذلك، ينحصر فيما ينتظر أن تحققه الانتخابات المبكرة..؟ بعيدا عن الاجابات المثقلة بالرغبات والتمنيات والتي لا تطيق رؤية الواقع “كما هو” لا “كما يجب ان يكون”؛ فان المعطيات والاصطفافات ونوع القوى الفاعلة ونوع الهموم والاهتمامات، لا تقف لجانب المتحمسين والمتفائلين بما يمكن أن تتمخض عنه انتخاباتنا المبكرة.
نعم، العراق يعيش وسط محنة تتميز بانسداد شديد للافاق، بعد سلسلة من الهزائم تم التطرق الى الكثير من جوانبها، والخروج من كل ذلك يستدعي شروطا موضوعية وذاتية، ما زلنا بعيدين عن تحققها شئنا ذلك ام أبينا، وهي على العكس مما هو شائع اليوم لا تحتاج الى المزيد من الفزعات والعنتريات الثوروية وما تتسم به من حذلقة وضيق افق وقصرنفس، بل هي بأمس الحاجة الى الوعي العميق لجذور هذا المأزق الوجودي والحضاري، والى رؤية بعيدة المدى تدرك صعوبة وعسر المهمات التي تنتظرنا على هذا الطريق. الانتخابات المبكرة سيتم اجراءها من دون ان يحصل في ضفة البدائل الحضارية والوطنية أية زحزحات فعلية، ولم تنبثق من كل موجات الغضب والاستياء بكل اشكالها الاحتجاجية؛ أية تشكيلات وتنظيمات تحمل ذلك الوعي وتلك الهموم المتنافرة وماهو سائد في المشهد الراهن. وكما يقول اهل الاقتصاد “المخرجات تتحدد بنوع المدخلات” ووفقاً لما يطفح على مسرح الاحداث من عدد لا مثيل له من “الاحزاب” والكيانات التي اقرتها المفوضية المستقلة للانتخابات، وما اتاحته 17 عاماً من “الفوضى الخلاقة” لحيتانها من نفوذ وامكانات اسطورية، وما استردته القبائل ومؤسسات ما قبل الدولة الحديثة من سطوة ونفوذ؛ كل ذلك يحدد ملامح المخلوق الذي سينحدر لنا من رحم الصناديق.
ما الذي سيحصل مثلا في اقليم كوردستان، غير اعادة تدوير ممثلي الاقطاعيات السياسية والمصالح المتنفذة حالياً، وهل سيتغير الامر مع من ستاتي به الانتخابات في الموصل والمنطقة الغربية والمناطق المماثلة لها طائفيا وقبلياً، وعندما لا ينتظر سوى تغييرات طفيفة وشكلية في تلك المضارب، لم نتوقع غير ذلك في مناطق الوسط والجنوب و…؟ نعم، كان بمقدور الانتخابات المبكرة ان تقوض حالة العجز والركود المهيمنة على العملية السياسية الراهنة، فيما لو رافقها زحزحات فعلية على صعيد اعادة تشكل القوى والتنظيمات السياسية، غير ان مثل تلك المؤشرات لم ترصد وسط كل هذا العجاج الذي تصاعد في الاشهر الاخيرة. ما اود ان اقوله واحذر منه؛ يتعلق بمخاطر رفع سقف التوقعات تجاه النتائج المرجوة من الانتخابات المبكرة، كونها لن تخرج عما تفرضه التوازنات والمعادلات السياسية الراهنة وصراع المحاور الاقليمية والدولية، وبمقدار ماهي صادمة ومتنافرة ومسطرة من يسعى لحرق المراحل، الا انها لن تعدم من الحقائق والمعطيات والدروس لمن يضع قضايا الوطن والناس على رأس همومه واهتماماته..