الرؤية الابداعية والواقع المتشظي في “صرخة تعري الظلام”

علوان السلمان

  النص الشعري، مغامرة رؤيوية ونشاط فكري يخوض عوالمها منتج(شاعر) يعكس الحالة الانفعالية والانفتاح الدلالي المستنطق للواقع الذي يمنح نصه تشظيا جماليا يسهم في تخصيب المعنى باستجابته لإيقاع الحياة عبر نسق لغوي قادر على توليد حقول تسهم في اتساع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية باستيعابها لمعطيات النص وثرائها العميق في الاختزال والتكثيف والايجاز والخلق الفني بذهنية متفتحة ورؤية باصرة.

  وباستحضار المجموعة الشعرية(صرخة تعري الظلام) التي نسجت عوالمها النصية..الصورية أنامل مبدعها الشاعر مهند عبدالجبار، واسهم اتحاد الادباء والكتاب في ميسان على نشرها وانتشارها/2020..كونها تكشف عن تجربة واقعية بمخزونها الشعري المكتظ بالصور المجازية المتأتية من الواقع المتشظي برؤية واعية، ابتداء من الايقونة العنوانية والعلامة السيميائية الدالة على المضامين النصية التي تدين الحرب وتهميش الانسان، ومرورا بالإهداء النص الموازي المقترن بذات مأزومة..(الى العمر الشره..الذي ما زال يأكل بي كالصدأ.. أقول: قد تغير لوني.. وطعم جسدي..ألا تشعر بالحرج..)

شئنا أم أبينا.. تعشقنا الحروب من جديد

يخيل الي.. أن الوطن اصبح فما لهذه الارض المصابة بالجوع

لا اعتقد انها مشيئة الرب

حيثما نتساقط الواحد تلو الاخر كالرغيف المحترق..

والايام لا تحرك ساكنا

لا اعتقد انها مشيئة الرب

كلما زحف النهر على بطنه ابتز المكان وركن الزمان

بينما الجميع ينتظر اللحظة قبل ان يصل مبتغاه

ويروي الالم عن ظهر قلب  /ص9 ـ ص10

  فالشاعر يشتغل في بناء نصه على السيرورة الزمنية المبنية على تقانات فنية واسلوبية كالاسترجاع والتذكر والتكثيف والاختزال الجملي مع جنوح الى التركيز والايجاز بسياق مقترن بحركة الحياة، فضلا عن توظيفه اسلوب التكرار الجملي (لا اعتقد انها مشيئة الرب).الدال على التوكيد اللفظي لإضفاء موسقة منسابة على جسد النص حتى انه شكل لازمة له. وهناك التنقيط(النص الصامت) الذي يستدعي المستهلك لملأ فراغاته، إضافة الى تداخل العناصر الجزئية والبناء الصوري المتخيل في وجدان المنتج(الشاعر) ليشكل مشهدا ديناميا ممسك باللحظة المشبعة بالدلالة المكتنزة بنزعتها الكونية والهم الانساني بسرد توصيفي تنبني شعريته على  عالمين مكانيين: أولهما مكان الذاكرة، وثانيهما المكان الموضوعي بصفته معلما ثقافيا مضافا..

أتذكرين حينما تعطلت الساعة؟

على سبيل الاعارة..

كم وهبتها من دقات قلبي؟

ـ الارصفة التي تكسوها الذكريات

كم تحتاج اعادة تأهيل

بأقرب مصحة؟  /ص35

 فالنص بمجمل دلالاته يعكس الحالة الشعورية والنفسية باسلوب حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها والمتجاوزة للقوالب الجاهزة والمترجمة لمشاعر واحاسيس منتجها وانفعالاته، ببناء شعري متوهج محققا لوظيفته المستفزة للذات الاخر(المستهلك). لاستنطاق ما خلف الالفاظ والصور الشعرية المشهدية، كونه يشتغل داخل اللغة مع توظيف الرمز السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعرية النص واتساع مساحته الدلالية التي تجرنا الى قول النفري الصوفي(كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا)..

كي لا يجرفني الانتظار

للمرة الثالثة…….

أرفع أشرعتي

قبل ان يمزقها الحنين  /ص53

  فالنص يمزج بين السردية والشعرية وهو يقترب من ملامسة المتخيل، إضافة الى انه يحتضن البنية التشكيلية التي توحي بالنزعة الدرامية في زمكانية تسبح في اطار ذاتي.

  وبذلك قدم الشاعر نصوصا تمازج بين الازمنة بحس وجداني مع قدرة على التصوير بخيال متماه والمفهوم الانساني..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة