متابعة الصباح الجديد:
عن دار المفكر ودار ألكا، صدر كتاب ” أصنام المجتمع لـ د. عبد الجليل الطاهر. في هذا الكتاب “أصنام المجتمع” والذي أخذ عبد الجليل الطاهر عنوانه من مقولة لسبينوزا يظهر لنا بعمق اهتماماته في تلك المرحلة، حيث صدر الكتاب في العام 1956 ، فحاول أن يرصد واحدة من تقييدات الحياة الاجتماعية والمسؤولة حتماً عن معوقات السيرورة الاجتماعية وتعثر الإصلاح الاجتماعي وهي القداسة والصنمية التي تبنى على الخضوع، وعلى بناء تفاعلات اجتماعية تصبح فيها الأدوار داخل النظم الرمزية خارقة ومقدسة حتى إذا قامت بانتهاكات خطيرة. فقد أرعبه صعود التيارات الشمولية في العراق لذا درسها كظاهرة اجتماعية، كشكل من أشكل النظم الاجتماعية التي تنتج عن طريق التفاعلات الرمزية مع الأفراد أطراً مقدسة، لذلك ركز على توصيفها، وبيان قدرتها على تعويق الحرية واضطراب المجتمع، فقدم نقداً مهماً لشيوع الأوهام والأساطير والأفكار المغلوطة التي لا تخضع للبحث العلمي، ولا للمنطق، فيتعصب لها الإنسان ويتحيز لها فتؤثر في كل وجوه حياته الفكرية، فتقيد عقله وتحدده، وشخَّصَ الطاهر الأرضيّة التي ينشط فيها ظهور الأصنام حيث أنها تظهر في نوعين من المجتمعات: المجتمع البدائي سهل التركيب حيث تكون الروابط الدموية هي أساس كل التقسيم الاجتماعي، والمجتمع الدكتاتوري التسلطي حينما لا يكون للفرد أي شأن في التأثير فيه. أشار الطاهر في الوقت ذاته إلى استحالة أن ينشأ الصنم عن طريق حرية الرأي، والتعبير، والحوار، والجدل، والإقناع. وهذا ما يجعل الدين هو الباني الأساس لرجال القداسة، لذلك خص أطره وتشكلاته المعرفية بنقد واف.
يضع هذا الكتاب بين يدي القراء الكرام محاولة متواضعة لبيان أثر طبيعة الإنسان والنظام الاجتماعي في تكوين الأصنام والأوهام والتحيز والنفاق، لعلها تكون فاتحة لدراسات مفصلة.
يرجع الفضل في اختيار عنوان هذا الكتاب إلى الفيلسوف الانكليزي (فرنسيس بيكون 1561 – 1626) الذي حذر الناس من وجود نوع من الآلهة الكاذبة، تتمتع بشيء من الإكراه والزجر على ضمائر الناس وتفرض عليهم أنماطاً معينة من التفكير وأساليب العمل، فتحول بذلك دون حصول الناس على معرفة حقيقية وواقعية بالمواضيع الطبيعية والاجتماعية. نعني بالآلهة الكاذبة الأصنام التي تتركز حولها الأفكار المغلوطة المشوهة المحرفة التي يعتنقها الفرد بوعي أو بدون وعي عن الواقع الاجتماعي. ويجدر بي كذلك أن أسجل أثر “اجتماعية المعرفة” في توجيه هذا الكتاب، وفي الإفادة من الإضافات العقلية التي حققها في الكشف عن الصلة الوثيقة بين أفكار الإنسان وأوهامه وخرافاته وأساطيره وسلوكه الحربائي وبين المحيط المادي – الاجتماعي. إن الربط بين تفكير الإنسان وبين ظروفه المادية – الاجتماعية مهم جداً في معرفة الدوافع التي تحث الإنسان للدفاع عن بعض الأفكار والأوهام.