القارئ ولغط العلامات التسويقية

كه يلان مُحمد

لقد ذكر أحد الكتاب قصته مع إحدى دور النشر عندما أراد طبع ديوانه الشعري ففاجأه صاحب الدار بأنَّ سوق الشعر لم يَعُدْ رائجاً وبما أنَّ الطلب على الرواية أكثر في السوق لذا تكون الأسبقية لنشر وطباعة الجنس الأدبي المطلوب. وهنا ربما يصح أن نتساءَل عن العوامل وراء ازدياد طلب على الرواية وتراجع الشعر في المشهد الثقافي هل السبب هو أنَّ الرواية تلبي مُتطلبات العصر الاستهلاكي وتتواءَمُ مع ذائقة الباحثين عن الإثارة والتشويق والعبارات الجاهزة التي يستهلكونها بدورهم على منصة شبكة وسائل التواصل الاجتماعي؟ ربما هذا الأمر يستدعي دراسته على أكثر من المستوى لأنَّ حجم التفاعل مع الأعمال الروائية وصل إلى حد لا يمكن تفسيره وفقاً لمنطق اختزالي. كما أن العوامل التي تدفع بهذا الجنس الأدبي إلى الصدارة متعددة تأتي في مقدمتها تكاثر الجوائز الأدبية المرصودة للاحتفاء بالمنجز الروائي بقطع النظر عن جودة الأعمال التي تصل إلى قائمة الجوائز الأدبية فإن وجود هذه المُكافأة تزيدُ الرغبة لإنتاج الرواية بالغزارة، وذلك لأنَّ العمل الذي يفوز بالجائزة يتوج صاحبه على منصة النجومية كما أن الجهة التي كفلت طباعته تستفيد نظراً للأقبال على العمل الفائز ما يعنى طباعته أكثر من مرة مع الإشارة في أعلى الغلاف إلى الجائزة التي مُنحت له. وقد تضاف على واجهة الغلاف عبارة من أكثر الروايات مبيعاً أو العمل الذي حول إلى فيلم سينمائي وشاهده الملايين. هذا بالنسبة للروايات المُترجمة. ومن المعلوم أن هذه المواصفات لا يمتاز بها جنس أدبي آخر غير الرواية ومن الظواهر التي راجت في الغرب، أن العمل الذي يحظى بنسبة عالية من المقروئية ستليه الأجزاء الأخرى تماماً مثل المسلسلات التلفزيونية، وربما تنتقلُ هذه العدوى إلى الوسط الثقافي العربي أيضاً يشرع الكُتاب بتأليف روايات في عدة أجزاء. غير أن كل هذه
الحملات الدعائية تضعك أمام سؤال: هل الكتاب الذي يقبلُ عليه القراءُ بالنهم يكون أفضل من عنوان آخر بالضرورة؟ ماذا عن الكتاب الذي يمرُ عليه حينُ من الزمن قبل أن يتم إدراك قيمته لدى الجمهور، طبعاً تلعبُ وسائلُ الإعلام والإعلام البديل أيضاً دوراً لا يستهان به في الترويج لإصدارات متنوعة. كما أن ذكاء المؤلفُ في تسويق مادته من خلال منصات مُتعددة يُعدُ عُنصراً مُهماً في وصول نتاجه الفكري أو الأدبي إلى قائمة أفضل الكُتب، ولا يُمكنُ في هذا السياق تجاهل ما يسودُ في الوسط الثقافي من العلاقات والاعتبارات الشخصية. كما أن المناخ العام بدوره قد يكونُ عاملاً في الدفع بعنوان معين إلى الواجهة، بحيثُ لا يتمكنُ المرءُ مقاومة التيار. هنا لا مناص من قراءة ما يتداول الحديثُ بشأنهِ على صفحات الجرائد، إذ يصبحُ الأمر أقرب إلى صرعة فكرية أو ثقافية، تتظافر عدة عوامل في تكريسها والانسياق ورائها. وما درجت عليه العادة في الصحف حول تصدير قائمة أفضل الروايات الصادرة خلال عام يستندُ إلى مراجعات نشرتْ عن هذا العنوان أو ذاك. نعتقدُ أنَّ الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية أكثر تأثيراً على اختيارات القُراء. إذ يلاحظ أن معظم دور النشر قد أنشأت حسابها الخاص في مواقع التواصل الاجتماعي. وتعيدُ نشر المقالات المكتوبة في الصحف والمنابر الإلكترونية على صفحاتها. ما يُولدُ الرغبة لدى المُتابعين لقراءة ما تناوله الناقدُ أو الصحافي في مقالته. لكن رغم نجاح بعض المؤلفات إعلاميا وجماهيرياً ونيلها لاعتراف الجهات الرسمية، لا يمكنُ وصف تلك الأعمال بأنها الأفضل والأجود من غيرها، لأنَّ من يحكم بذلك هو الجيل القادم الذي لن تكونُ رؤيته محكومةً بالاعتبارات التي تؤثر على ذائقتنا في الوقت الحاضر. إذا: نحتاج إلى مسافة زمنية تفصلنا عن إصدارات اليوم قبل أن نقرر: هل هي الأفضل؟ وهذا لا يعني الاعتراض على ما يعلن عن القوائم لأفضل الكُتب، بل هذا الإجراء قد يفتحُ المجال لمشاركة القراء فعليا في المستقبل للإدلاء بآرائهم وتدوين انطباعاتهم عن الكتب أعطوها من وقتهم. فبالتالي تتسع حلقات القراء ما يُحَتِمُ على المؤلفين مزيداً من الاحتراز طالما يكون القراءُ لهم بالمرصاد. ما يجدر بالإشارة في هذا الصدد هو عاصفة غضب معجبي الروائي البرازيلي باولو كويلو على روايته قبل الأخيرة (الزانية) حيثُ عبروا بشتى الطرق عن استهجانهم لهذه الرواية التي خيبت بمضمونها الذي وُصف بالمبتذل أفق توقعهم. هنا نتحدثُ عن جمهرة القراء فيما المؤلف قديم تلك ما يبرر به اختياره وأسلوبه الجديد دون الاستخفاف برأي جمهوره. إذاً: فإن الأمر لا يخلو من الإيجابيات أيا كانت الجهة التي تحدد قائمة بكتب مفضلة لدى القراء أو تتكفل بمنح الجوائز للأعمال الإبداعية صحيح هناك من ينتقد الروايات الفائزة ويحملُ اللجان التي تقرر منح تلك الجوائز مسؤولية ترويج لما لا يستوف الشروط الإبداعية ولا يستحق أن يكون في صف الكتاب والمبدعين. لكن هؤلاء عليهم أن يدركوا بأن الفضاء الثقافي لا ينتظر ضوءَهم الأخضر لكي يتسع أصواتاً جديدة ولا يكون الميدان مُحتكراً لأسماء مُعينة نقول ذلك ولا نقصد إعلان سقوط المعايير الأدبية والإشهار بعصر اللا معيار، بل الأمر وكل ما فيه أنَّ رصد الجوائز للأعمال الإبداعية أيا كان موقفك من جنس العمل وجودته وما يصاحبه من اللغط الإعلامي يزخم الفضاء الثقافي بكثير من النقاشات التي قد تخدم في المحصلة الأخيرة الاهتمام الفكري والثقافي لدى الجيل الواعد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة