ظفار اسماعيل :
في زمن الدكتاتورية البعثية قديمًا كان النضال الشيوعي على ارض مدينة الناصرية مهد الحضارات البشرية العريقة والتي ضربت الامثلة في الشجاعة وهي تناضل ضد الظلم الذي مورس بحق ابنائها من تهميش وفقر واهمال امتد لسنوات عديدة .
مدينة الفن والثقافة والافكار الحرة التي لا تحدها حدود انجبت للعراق خيرة رموزها الفنية والثقافية على مر التاريخ فكانت الشهيدة الشجاعة سحر أمين التي ولدت على ارضها في عام 1964 وكانت آخر العنقود في العائلة .
كبرت سحر مع أختها الكبرى الشهيدة موناليزا, المعلمة في ناحية البطحاء لتكبر وتتطور مفاهيمها وتتكون اراءها واختياراتها الفكرية التي قربتها من افكار الحزب الشيوعي العراقي ،الذي اختارها لتمثل العراق في مهرجان الطلائع العالمي المقام في برلين عاصمة جمهورية المانيا الديمقراطية .
تعرفت الشهيدة سحر على الافكار الشيوعية منذ الطفولة لكونها من عائلة انتمت فكريًا لهذا الاتجاه، اذ كانت والدتها عضوا في الحزب وتعمل في رابطة المرأة، فكانت الشهيدة الشابة سحر تستفسر حتى توصلت الى قناعاتها الخاصة.
وفي ربيع عام 1979 إشتدت حملات الحكومة البعثية على الحزب الشيوعي وقوى اليسار والاشتراكية لتشمل عموم البلاد.
في هذه الفترة العصيبة حرصت اسرتها على التحكم بتحركها واختفائها فسافروا بها الى بغداد بعد ان طاردتها حكومة البعث وتم طردها مع اخواتها من الثانوية لأسباب سياسية ، بناء على ادعاء مديرة مدرستها التي طلبت منهن العودة للدراسة والانضمام الى اتحاد النساء تطبيقا لأمر من مدير الأمن في المحافظة ، لم تكمل الشهيدة سحر واخواتها الدراسة منذ ذلك التاريخ واضطرت الشهيدة الى استعمال هوية الأحوال المدنية لإحدى قريباتنا مستبدلةً الصورة فقط لمواصلة العمل السري ، لتلقى زوجها الذي تزوجته في بغداد تحت السرية التامة وانتقلت الى مدينة الناصرية لتعيش معه بهدوء بعد ان حملت منه بطفلها الذي لم تره حيث انها كانت حاملًا في الشهر السابع ، حينما اكتشفها احد المخبرين السريين لنظام البعث الصدامي ووشى بها وتمت مداهمة منزلها لإلقاء القبض عليها وعلى زوجها الذي اشتبك مع المهاجمين حتى استشهاده ،وجرحها والقاء القبض عليها لتتعرض لأقسى انواع التعذيب الهمجي على يد جلاوزة البعث مطالبينها بالإدلاء بمعلومات تخص رفاقها وإخواتها ، من دون جدوى فهي لم تنطق بحرف واحد برغم التعذيب أنجبت ابنها محمد الذي لم يسمح لها برؤيته أو ارضاعه. وزجت بسجن الرشاد للنساء ليحكم عليها بالسجن المؤبد الذي سرعان ما إطلع عليه المجرم (عواد البندر) ليرفضه ويحوله الى الحكم بالإعدام في عام 1984 ،ونفذ عليها الحكم بعد عام واحد ،وتم تسليم جثتها لتدفن في المقبرة الجماعية في بغداد تحديدا ،مقبرة محمد السكران وقبل الإعدام طلبت الشهيدة رؤية ابنها للمرة الاولى والأخيرة لم يوافق المجرمون على طلبها وبعد ان قربت النهاية وعرفت بموعد اعدامها ارسلت الى رفاقها مطالبة اياهم بالهتاف باسم الحزب والشعب لتسمع هتافاتهم لحظة تنفيذ الحكم بها، فما كان من الشيوعيين الذين سمعوا بطلبها وعرفوا بموعد اعدامها الا ان تعالت اصوات هتافهم باسمها واسم الحزب لتسمعها بوضوح برغم اغلاق الأبواب عند تنفيذ الحكم وتأكد أن الشهيدة سحر سمعت هتافاتهم وردت عليها بزغرودة عالية , وأسلمت الروح وهي فخورة برسالتها النضالية ضد الطغيان لتستحق منا تذكرها وتخليد قصتها لتكون منارا للثائرات والمطالبات بحرية اوطانهن وافكارهن لتخلد ذكراها في قلوب الثوار شامخة صامدة برغم صغر سنها . ليكبر ابن الشهداء الذي اطلقت عليه عمته اسم (محمد ) وكرست حياتها لتربيته ورعايته حتى كبر وشهد بأم عينه سقوط نظام البعث البشع ، وبعد ذلك لم يكن لمحمد اي شغل شاغل غير البحث عن رفاة والدته التي لم تره ولم يرها ليجد بقايا جسدها الطاهر في احدى المقابر الجماعية التي نفذها نظام الطاغية البعثي وازلامه.. ليكرمها ويدفنها في مقبرة تليق بذكراها حيث كتب اسمها عليها من دون خوف .
طوعة العصر
انموذج حديث لبطولات النساء العراقيات الشامخات الرافضات للظلم والبطش ، حيث ضربن الامثال في الشجاعة والكرم ولكل منهما قصة جهادية مشرفة ،
ام قصي التي اطلق عليها لقب ام العراقيين و طوعة العصر اختيرت لتكون من بين اشجع عشر نساء في العالم والتي غامرت بحياتها من اجل ايواء ثمانية وخمسين جنديا عراقيا وحمايتهم من بطش عصابات داعش الارهابية. امرأة بألف رجل كان لكرمها وشجاعتها فخر لنا جميعاً. وكانت «أم قصي» واحدة من أشجع عشر نساء اخترن على مستوى العالم في عام 2018، إذ إن الخارجية الأميركية تمنح الجائزة للنساء اللواتي أظهرن شجاعة وقيادة استثنائية وأسهمن في تحقيق السلام والعدالة والحفاظ على حقوق الإنسان.