المثقف، بوصفه ضمير المجتمع، والمرآة التي ينظر من خلالها الى الحقائق ويتمكن من فرز الجيد من الرديء، الحقيقية من الاشاعة، يمر اليوم بأزمة حقيقية، أزمة تتمثل في إمكانية إثبات وجوده، وإمكانية احتلاله حيزا وسط هذا الكم الكبير من الأسماء والايقونات والاشكاليات والاسئلة التي تواجه المجتمع في ظل ظروف التظاهرات والاحتجاجات التي يشهدها البلد.
المثقف الذي ينبغي أن يكون في الصدارة في كل مكان يذهب إليه، يحتاج اليوم الى من يسعى لمنحه صورته الحقيقية التي تكاد تختفي هذه الأيام، بعد أن تسلقت فئة الى الواجهة واخذت تتكلم باسم الجماهير المحتجة. تلك الواجهة التي تتمثل بأصحاب الصفحات التي تملك عددا كبيرا من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتملك القدرة على توجيه الرأي العام نحو أهداف محددة بعيدا عن تطلعات الشارع وأهدافه.
ورغم أن ظاهر تلك الصفحات أنها تقف مع مطالب المتظاهرين والمحتجين، إلا أن النوايا لا تعرف طبيعتها، كما إن أغلب التوجيهات التي تصدر والمتابعات تكون بعيدة عن الواقع ومجريات الاحداث، حيث تذهب الى الجوانب التي يريدها أصحاب تلك الصفحات، ولعل عدم امتلاك أصحاب تلك الصفحات الثقافة الكافية، والتي تؤهلهم لتوجيه الشارع وتشكيل رأي عام، يكون بالضد من الرأي الرسمي الذي لا يتفق غالبا من رأي الشارع، أو وجود غايات دفينة تسعى تلك الصفحات لتحقيقها. أما المثقف الحقيقي الذي يمتلك الأدوات الكافية لتكوين رأي عام متوازن ورصين، يهدف إلى توجيه الشارع نحو تحقيق أهدافه بشكل سليم وموافق للقانون، فهو يعاني اليوم من التهميش والتغييب القسري عن الواجهة.
رغم أنه الأجدر والأكفأ والأحق تاريخيا وثقافيا في تصدر المشهد. ورغم ذلك، نجد هنالك مثقفين، يشاركون في التظاهرات بشكل واسع وملفت، إضافة الى قيام اتحاد الأدباء بنصب خيمة خاصة بالأدباء في ساحة التحرير، لكن كل تلك النشاطات تأتي لتكرس تهميش المثقف، من قبل الشارع أولا، فالمثقف الذي يتواجد في ساحة التحرير يساهم بوصفه أحد أفراد الشعب، ولا يؤدي بالضرورة الدور المطلوب من المثقف من تنوير الشعب، وتوجيه المتظاهرين وإفهامهم بحقوقهم وتحذيرهم من المخاطر التي تواجههم، إذ أن من يتولى ذلك هم أصحاب الصفحات والمواقع الالكترونية الذين يملكون سطوة كبيرة على المتظاهرين.
لقد أثبتت التظاهرات تراجع المثقف بشكل كبير وتولي أشخاص قد لا يملكون أبسط أدوات الثقافة ولا العلم، مسؤولية كبيرة وهي تشكيل رأي عام. والسبب يحتاج الى دراسة وتحليل، لبيان سبب ذلك التراجع وتداركه بالممكن والمتوفر من أساليب إلا فمن الطبيعي ان تؤدي تلك الممارسات الى إحداث شرخ كبير بين المثقف المجتمع، خصوصا وإن اللحظة الحالية تحتاج الى إثبات وجود المثقف وريادته في المجتمع.
سلام مكي