الحاجة الى تشريع القوانين في هذا الوقت، لا تضاهيها حاجة، خصوصا وأن البلد يعاني من عدم وجود قوانين كفيلة بتنظيم قطاعات واسعة في مجالات الاقتصاد والسياسة والعمل وغيرها، فهناك قطاعات لابد من إقرار القوانين الخاصة بها، تلافيا للفساد والهدر في المال العام، ولعل قانون النفط والغاز المركون في رفوف البرلمان منذ سنين، من دون إقرار أو حتى مناقشة، أبرز مثال على ما نقول. والدستور كما هو معلوم للمختصين، يضع الخطوط العريضة للقوانين ويحدد المبادئ العامة التي على ضوئها يتم تشريع القوانين من قبل مجلس النواب، فهناك نصوص دستورية تنتهي بعبارة: وينظم ذلك بقانون. بمعنى ضرورة تشريع قانون يضع التفصيلات التي لم يشر إليها النص الدستوري. بالعودة الى واقع مجلس النواب، نجد إن ما أقر من قوانين مهمة لا يتناسب مع الحاجة الفعلية للتشريع، كما لم يشرع القوانين الجدلية التي هي أصلا مهمة ووجودها ضرورة لابد منها. وما شرع مؤخرا، وما يراد تشريعه في الفترة المقبلة، لا يعدو كونه ترفا تشريعيا، بمعنى أن القوانين التي يناقشها البرلمان والتي ناقشها وصوت عليها هي ترف وليس ضرورة، فلا يوجد حيز لتطبيقها ولا توجد حاجة أصلا لتشريعها.
فلو جئنا الى القوانين الصادرة سنجد: قانون انضمام جمهورية العراق الى اتفاقية اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي المغمور. من المعلوم أن هنالك عشرات المواقع الأثرية المكشوفة والتي تعاني الإهمال من قبل السلطات المختصة، فلا توجد حماية كافية لتلك المواقع برغم أهميتها الثقافية لما تضمه من آثار ولما لقيمتها التاريخية ودورها في حضارة البلد، لكن لا توجد عناية بها وهي عرضة للسرقة والضياع والتلف، فلا توجد حركة للتنقيب ولا يسمح للأجانب بالتنقيب في تلك الموقع. فمن الأولى: حماية التراث الثقافي المكشوف أم المغمور؟ وهل ستتمكن السلطات المختصة من حماية الآثار المغمورة وهي غير قادرة على حماية الآثار المكشوفة؟ قوانين آخر أقرت مثل قانون انضمام العراق إلى الاتفاقية الدولية للإنقاذ، قانون الانضمام الى المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي.
ومن المعلوم أن قانون الضمان الاجتماعي النافذ لا يطبق إلا النزر اليسير منه، فلا يوجد ضمان حقيقي لحقوق العمال ولا توجد معايير صارمة لإلزام أصحاب العمل بضمان حقوق العاملين. فهل إن انضمام العراق الى تلك الاتفاقية سيؤدي إلى إلزام السلطات المختصة بالحدود الدنيا للضمان الاجتماعي؟ وهل تطبيق قانون الضمان الاجتماعي متوقف على إقرار هذه الاتفاقية؟ إن العمل التشريعي ينبغي أن يكون مؤثرا في الحياة العامة، ويواكب الحاجة الفعلية للقانون المراد تشريعه. لا أحد ينكر وجود قوانين مهمة شرعت في المدة الماضية كتعديل قانون التنفيذ وقانون الموازنة وقانون المرور، لكن الجانب الأكثر إشكالية هو القوانين غير المهمة. على البرلمان أن يلتفت إلى القوانين الأكثر أهمية ويشرعها بدلا من القوانين التي لا أهمية لها في الحياة العامة.
سلام مكي