العملية السياسية.. مقدمة الانهيار

عبدالمنعم الأعسم

أذا ما بدأنا التأمل في مآل العملية السياسية من حيث انتهت عند تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي غداة انتخابات 2018 فاننا سنتجاهل الخطايا التي ارتكبت باسم هذه العملية طوال ما يزيد على عقد ونصف العقد من السنين، ولعل اكثر خطاياها قبحا انها رخّصت لمنتسبيها من الكتل والزعامات ان يكونوا في سلطة القرار وفي المعارضة في الوقت ذاته، بحماية نصوص دستورية غاية في الهشاشة والتضارب اغتالت الرقابة والنزاهة والحساب والقصاص، فيما اسس هذا التقاسم القاعدة التحتية للفساد إذ دخلت القوى المتنفذة في سباق محموم للنهب والتعدي على المال العام، ضمن مقايضات معروفة بعنوان :»اسكتْ عليّ.. أسكتُ عليك!».
وقد اضيف الى ذلك، على سبيل التحليل العادل، اننا في عبورنا من فوق اكثر من خمس عشرة سنة من عمر العملية السياسية سنتجاهل مكاسبها ذات الصلة بضبط الصراعات بين قوى وفئات ومليشيات المرحلة ودرء اخطار الحروب بين حافّاتها، سواء بفروض التذكير بحدة المصير والمصالح، او باحكام الصفقات بين المتنفذين فيها، أو بتأثير املاءات اقليمية ودولية، والحال، فان المراقب الموضوعي، يحتاج لكي يرصد الى اين انتهت العملية السياسية الى تأشير التشابك بين حاجات المرحلة التي اعقبت التغيير (الاحتلال) لضبط التعامل بين قياداتها وبين المنزلق الكارثي الذي انحدرت اليه والحقت اضرارا بالعراق وشعبه، ولعل افدح الاضرار هي الارواح التي ازهقت باعمال العنف والارهاب او بتداعيات الصراع بين الارادات السياسية الناشئة.
لنعيد الذاكرة الآن الى تلك «الضرورة» التي صيغت عشية سقوط نظام الدكتاتورية بالقول (وهو سليم من الناحية النظرية) ان العراق لا ينبغي (بل ويستحيل) ان يُحكم من قبل كتلة او فئة او قومية او طائفة واحدة، وان المطلوب حكم شراكة مؤقتة (مرحلة انتقال) يضع ارضية للانتقال الى دولة الدستور والمواطنة، وحكم الاحزاب والاكثرية، وعد تشكيل «مجلس الحكم» من ممثلي اطراف واحزاب العهد الجديد بمنزلة الترجمة لتلك الضرورة، فيما كانت الشكوك تراود الكثير من المراقبين بجدارة الشراكة المعلنة في ادارة شؤون البلاد التي ورثت مشكلات مجتمعية وادارية واقتصادية معقدة، وبأنها ستمضي بالقارب الى ضفاف السلامة باقامة حكم رشيد يلبي المطالب الملحة للملايين من المواطنين المعوزين والايتام وعائلات ضحايا الحروب.
لقد صمم اصحاب العملية السياسية مهمتها بتحقيق التوازن بين الخيارات السياسية «الوطنية» المختلفة التي راحت تتشظى وتتخاشن وتتخندق يوما بعد يوم آخر، وصار واضحا انه ليست فقط المصالح الضيقة (الامتيازات. المواقع. مصادر الكسب) تدفع الى تفاقم الخلافات بين كتل وزعامات العملية السياسية، بل ان تفاوت فهم واستيعاب لوازم التوازن والضرورات بينها ادى الى تدمير آخر فروض الثقة بين الفرقاء، بل واضرم الشكوك والصراعات في داخل كل فريق من الفرق، السياسية والطائفية والقومية على حد سواء، يكفي القول ان الجبهة الكردستانية كانت الى ما قبل ثلاث سنوات متصالبة الى حد ما قبل ان يدب في صفوفها التشظي والتناحر لتتكامل صورة الانهيار في معادلات التوازن على مستوى الجغرافية السياسية العراقية، وبالتالي في اركان العملية السياسية.


الين دي جينيريس- ممثلة كوميدية
«في بعض الأحيان لا يمكنك رؤية نفسك بوضوح إلا من خلال الطريقة التي يراك بها الآخرون»

عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة