بدأنا عام 1927 وتوقفنا عام 1997 … فهلاٌ واصلنا المسير ؟!!
فيما اعلنت وزارة التخطيط عن نيتها تنفيذ التعداد العام للسكان عام 2020 ، وإنها بدأت استعداداتها لهذا الحدث المهم الذي طال انتظاره كثيرا ، من خلال الشروع بتشكيل فرق العمل المتخصصة ، وقد تم تغطية خطوات الاستعداد هذه من خلال تخصيص مبلغ مالي مناسب ضمن مشروع موازنة 2019 ، فيما اذا وافق عليها مجلس النواب ، .. عاد الحديث مرة اخرى عن تسييس التعداد وإخراجه عن مساره الصحيح ، الامر الذي سيجهض المشروع كما اجهض عام 2010 ، قبيل اسابيع قليلة من انطلاقه .. ولعل فكرة ربط مخرجات التعداد بأجندات سياسية ، مبعثها عدم الفهم الحقيقي لأهداف هذا المشروع الحيوي ، هذا اذا افترضنا حسن النية في عدم الفهم هذا ، اما اذا افترضنا غير ذلك ، فان الامر يعني ان ثمة محاولات فعلية لمنع تنفيذ التعداد !! ..
وفي كلا الحالتين ، فان الامر يتطلب الكشف عن الاهداف الحقيقية للتعداد بعيدا عن الصراعات السياسية ، وما يترتب على تلك الاهداف من اهمية من دون تحميله اي نتائج ذات صلة بالواقع السياسي ، كعملية اجرائية ، انما كنتائج ، نعم يمكن القول ان التعداد العام للسكان يعطينا الرقم الحقيقي للسكان وبالتالي يمكن حساب اعضاء مجلس النواب بحسب تلك النتائج ، اما عدا ذلك ، فان كل ما ينتجه التعداد من مؤشرات ، انما هي تخدم التنمية على المديين المتوسط والبعيد ، فهو يعد بمنزلة لقطة لواقع معين في لحظة معينة ، ومن خلال قراءة تفاصيل تلك اللقطة يمكن الوصول إلى الواقع الحياتي وخصائص السكان في ذلك الواقع ، لان احتساب الكثافة السكانية بنحو دقيق يساعد في الحصول على البيانات التفصيلية لتلك الخصائص ، الامر الذي يساعد ويسهم في دعم عمليات رسم الخطط والسياسات الاقتصادية والتنموية ، كما انه يحدد بدقة الحاجة إلى الخدمات مثل الصحة والتعليم والماء والكهرباء والطرق وكل ما يرتبط بمتطلبات حياة الانسان ، لاسيما مع صعود العراق مع المجتمع الدولي ضمن عربة اهداف التنمية المستدامة 2030 التي تدعو إلى محاربة الفقر والجوع وتوفير الخدمات والمحافظة على البيئة ، ومثل هذا الامر يتطلب بيانات دقيقة تساعد في معرفة ما تم وما سيتم تحقيقه من اهداف التنمية المستدامة الـ(17) ، كما تسهم نتائج التعداد في تحليل وتقييم المتغيرات الاقتصادية والديموغرافية التي يشهدها العراق بدقة ، بعد مرور نحو 22 عاما على تنفيذ آخر تعداد سكاني في البلاد عام 1997 والذي لم يكن تعدادا متكاملا لأنه لم يشمل اقليم كردستان في حينه .
وإزاء ما تقدم ، تظهر بوضوح اهمية التعداد العام للسكان الذي ينبغي ان يجري كل 10 سنوات ، بهدف توفير قاعدة البيانات الشاملة والكاملة عن الواقع الفعلي والتي يمكن من خلالها النظر تنمويا على مدى 10 سنوات مقبلة في طريق مقمر ، بدلا من الاعتماد على التنبؤات والتكهنات ، التي قطعا لن تكون دقيقة كما هي نتائج التعداد ، ومثل هذه الدقة تتحقق من خلال الاسئلة المتنوعة التي تتضمنها استمارة السكان والمساكن ، التي تُعد من قبل خبراء متخصصين وبدعم فني وخبرات من منظمات الامم المتحدة وفي مقدمتها صندوق الامم المتحدة للسكان ، ما يجعلنا مطمئنين على ان البيانات ستكون دقيقة ، خصوصا وان الحديث يجري عن عزم الجهات المعنية استعمال التقنيات الالكترونية في تنفيذ التعداد ، وليس كما جرت العادة باستعمال الورق ، الامر الذي سيضمن الدقة والسرعة في قراءة النتائج .
ومن المؤكد ان اهمية بهذا المستوى توجب على الجميع العمل على دعم وإنجاح مشروع التعداد العام للسكان في نسخته التاسعة ضمن مجموع التعدادات التي شهدها العراق منذ عام 1927 ، والرابع بين التعدادات التي نفذها الجهاز المركزي للإحصاء ، اذ كان تنفيذ تعدادات (1927-1934-1947- 1957-1965) من قبل وزارة الداخلية ، لأننا ، وبصراحة متناهية ، فيما لو سعى البعض إلى عرقلة المشروع فإننا سنكون امام تكرار سيناريو 2010 ، فبعد ان استُكملت الاستعدادات كافة والتي تضمنت تدريب 350 الف عداد وطبع نحو 15 مليون استمارة وتنفيذ عمليات الترقيم والحصر في عموم البلاد ، وكل تلك الجهود التي استغرقت نحو سنتين انفقت عليها اموال ليست بالقليلة ، ولكن في نهاية المطاف اصطدمت عربة التعداد بملفات مفتعلة ، كان الهدف من اثارتها ، اما جهلا ، او عمدا .. ومن الان علينا ان نرفع شعار (نعد ، لنستعد) ، والاستعداد هنا يعني بناء قاعدة البيانات الشاملة عن واقع التنمية ، لننطلق من خلالها نحو غد افضل ،
عبدالزهرة محمد الهنداوي
نعُد.. لنستعد !
التعليقات مغلقة