معجزة الصين ونهاية الخرافات

إيلوا لورون
باريز

منذ 40 عاما، في ديسمبر/كانون الأول، 1978، أصدرت اللجنة المركزية الـ11 للحزب الشيوعي الصيني بعد دورتها الثالثة الكاملة، تصريحا رسميا، أعلنت فيه أكبر تجربة للنمو الاقتصادي عرفه تاريخ الإنسان.
وبلغة الخشب المفهومة لدى الأشخاص المطلعين بشؤون الحزب الشيوعي الصيني، أعلن قادة البلد، الذين يتولون مهمة توجيه طموحات دانج شياوبينج، سلسلة من «التحديثات» غير المسبوقة، والتي من شأنها تحويل أحد أقل الدول تقدما إلى قوة اقتصادية رائدة.

وفي عام 2014، تجاوزت الصين الولايات المتحدة الأميركية لتصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم (معتمدة على شراء المساواة في القوة). إذ ارتفع معدل ناتجها المحلي الإجمالي للفرد الذي كان أقل 40 مرة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية في عام 1980، بمعدل 52، وهو الآن أقل من أميركا 3.4 مرات فقط (حسب بيانات صندوق النقد الدولي).
وفي الحقيقة، عرف ما يقارب 15% من ساكنة العالم نموا في متوسط الدخل بلغ 10% سنويا منذ عقود.
لكن صعود الصين الذي يسبب المدهش أزال ثلاث أساطير بشأن تأثير النمو الاقتصادي. أولها، أن النمو يحد من اللا مساواة ويزيد من السعادة. إذ في عام 1955، افترض الخبير الاقتصادي، سايمون كوزنيتس، أن مستوى عدم المساواة في الدخل سيرتفع إلى حد كبير ثم يتراجع – على شكل حرف «U» مقلوب أو على شكل جرس- عندما تشهد الدول تطورا اقتصاديا. وتؤكد وتيرة النمو الاقتصادي التي عرفتها الصين منذ 1978، صحة هذه الفرضية أكثر من أي دولة أخرى.
فالصين، على أي حال، هي إحدى الدول التي تعرف أعلى معدل في عدم اللا مساواة اليوم. وفي العشر سنوات الأخيرة، استقر معاملها الجيني في معدل يقارب 0.5، بعد أن كان في معدل 0.3 تقريبا في عام 1980 (معامل جيني واحد يعني أن الفرد الواحد يملك كل شيء). وفي الواقع، فالعلاقة بين النمو وعدم المساواة غريبة.
إذ يرتفع المعامل الجيني للصين مع ارتفاع النمو، ويتراجع مع تراجعه.
وحسب قاعدة بيانات العالم بشأن عدم المساواة، فأن حصة الدخل الوطني للصين بالنسبة لـ 10% الأغنى ارتفعت من 27% إلى 41% في الفترة ما بين 1978 و2015، وتضاعفت بالنسبة لمن هم في قمة الطبقات الاجتماعية الـ 1%. وفي الوقت نفسه، تراجعت نسبة حصة الـ 50% الأفقر من الدخل الوطني الصيني من 26% إلى 14%. وهذه البيانات متناسقة مع المصادر الأخرى التي تظهر انه في حين ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بنسبة 14% في المدة ما بين 1990 و2010، ارتفعت حصة المجموعات الخمسة العليا على حساب المجموعات الأربعة الدنيا.
ومن المؤكد أن معدلات اللا مساواة هذه نسبية، ولا ننكر أن الصين حَدَّت من الفقر المطلق. وعاش معظم الصينيين في ظروف تتسم بمستوى عال من المساواة والبؤس. واليوم، فهم يعيشون في مجتمع اللا مساواة، حيث ارتفع دخل الطبقة الـ 10% الافقر بنسبة تقارب 65% في المدة ما بين 1980 و2015.
ونظرا لهذا التطور، قد يظن البعض أن الصينيين ازدادوا سعادة أيضا. لكن العكس هو الصحيح. إذ في فصول التقرير العالمي للسعادة لعام 2017، أعطى ريتشارد.أ. إيسترلين، وفي وانغ، وشان وانج، حجة مقنعة تقول إن الناتج الوطني الإجمالي للصين ارتفع بشكل صاروخي، في حين تراجعت الرفاهية الشخصية لمواطنيها، خاصة وسط الفئات الأكثر فقرا وتقدما في السن. وما يثير الاستغراب أكثر، أنه برغم استقرار معدل الرفاهية الشخصية للصينيين في مستوى أقل مما كان عليه في عام 1990، فإنه في الحقيقة ارتفع تدريجيا في العشر سنوات الأخيرة، عندما كان النمو أقل بطئا مما كان عليه في المدة ما بين 1990 و2005.
والخرافة الثانية التي أزالها النمو السريع للصين، أن الليبرالية الاقتصادية تغذي الليبرالية السياسية في نهاية المطاف. وللتذكير، في عام 1989، قبل شهور فقط من انتصار الديمقراطية الغربية الليبرالية على الشيوعية السوفياتية، قمعت الصين مظاهرة طلابية في ساحة تيانانمين، مخلفة 10000 قتيل من مواطنيها. ومنذ ذلك الوقت، لم يتغير المسار السياسي، بل ربما قد أصبحت الممارسة العشوائية وغير العادلة للصين أكثر نجاعة.
إن الرأسمالية الصينية تعني تدخل دولة قوية في جميع مناحي الحياة القومية. وبينما تيسر التكنوقراطية التوسع الاقتصادي، تعرقل أجهزة الأمن العديدة التابعة للدولة الحريات والحقوق السياسية. وبدل أن تصبح الصين أكثر ديمقراطية، أصبحت الرائدة في نوع من الليبرالية الجديدة السلطوية التي نراها اليوم في تركيا والبرازيل وهنغاريا والهند، وغيرها من البلدان الأخرى.
وختاما، لا يمكن بعد الآن أن ندافع عن النمو الاقتصادي بصفته أفضل سياسة بيئية.
إذ في عام 2007، وصف وين جياباو، رئيس الوزراء آنذاك، انموذج التنمية الصيني على أنه «غير مستقر، وغير متوازن وغير متناسق وغير مستدام»، خاصة بسبب تأثيره الإيكولوجي المُضر.
وبرغم ذلك، كان الأمل دائما أن يتبع النمو الاقتصادي نموذج «منحنى كوزنيتس البيئي»، وبالتالي الحيلولة دون وقوع كارثة شاملة أو التخفيف منها على الأقل. لكن هذا لم يحدث.
وتظهر البيانات الأخيرة أن الصين، أكثر من يستنزف الموارد الطبيعية في اقتصاد عالمي أصبح غنيا بالموارد الطبيعية.
إذ في عام 2010، مَثَّلت الصين 14% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكنها استهلكت 17% من الكتلة الحيوية، و29% من الوقود الأحفوري و44% من الخامات المعدنية. ويشكل استهلاكها المحلي لجميع الموارد الطبيعية ثلث مجموع الاستهلاك على مستوى العالم، مقارنة مع جميع الدول المتقدمة التي تشكل ربع هذا المجموع فقط.
وعلاوة على هذا، تساهم الصين بنسبة 28% من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون في العالم-أي ضعف الولايات المتحدة الأميركية، وثلاث مرات أكثر من الاتحاد الأوروبي، وأربع مرات أكثر من الهند.
وفي الفترة ما بين 1978 و2016، ارتفعت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية للصين من 1,5 مليار طن إلى عشر مليارات، ومن 1.8 طن إلى 7.2 بالنسبة للفرد الواحد، مقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 4,2 طن.
وكما هو موثق، وصلت حالة المياه والمياه الأرضية وتلوث الهواء إلى مستوى الأزمة.
وهذا يشكل مشكلة لمن يظن أن الرأسمالية، السبب الرئيس في الدمار البيئي. فعلى كل حال، أكثر الدول التي تعد غير مستدامة إيكولوجيا هي دولة شيوعية.
وفي الكونغريس الوطني الـ 19 للحزب الصيني الشيوعي الذي عقد في أكتوبر تشرين الاول 2017، تحدث الرئيس الصيني شين جين بين عن « تناقض بين النمو غير المتوازن وغير الناجع وتزايد احتياجات الناس لحياة أفضل». وأكد أن الصين التزمت بالانتقال إلى «حضارة إيكولوجية» بدأت بموجب برنامج الخمس السنوات الـ 13 الذي وضع عام 2016.
وعلى ما يبدو، فقد انتهى أفضل انموذج للنمو الاقتصادي عرفه التاريخ البشري.

ترجمة نعيمة أبروش
يشغل إيلوا لورون منصب كبير الزملاء الباحثين لدى مركز العلوم السياسية للأبحاث الاقتصادية، ومنصب أستـاذ فـي معهد التسيير والابتكار التابع لمركز العلوم السياسية، مـنصب أستاذ زائر في جامـعة سـتانفورد. كما أنه مؤلف كتاب أصـدر مؤخرا يحمل عنوان: قياس المستقبل: المسـاهمة في الرفـاهية، والمرونة والاستدامة في الـقـرن الـواحد والعـشـرين.
بروجكـت سينـديكت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة