رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 16
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
إعلان ثورة أيلول 1961
* متى وأين أطلقت أول رصاصة لثورة أيلول ؟
– حين قرر البارتي المشاركة في الإنتفاضة، كانت ذكرى ثورة السادس من أيلول عام 1930 قد حلت، ووصل إنذار من عبدالكريم قاسم بشأن الإنتفاضة، ولكن الرفاق في بهدينان وبدون علم اللجنة المركزية للحزب هاجموا في 9 أيلول 1961 على زاخو والعمادية ومناطق أخرى وإستولوا عليها. وحين علم قاسم بذلك خاف أن يمتد اللهيب الى مناطق أخرى، وهكذا أرسل يوم 11 أيلول طائراته وجيشه للهجوم على تجمعات العشائر في دربنديخان وخلكان وقضى عليهم بظرف يومين فهرب الجميع وعادوا الى منازلهم وهناك أبرقوا لقاسم ببرقيات الوفاء والإخلاص.وبقينا نحن كوادر الحزب بدون سلاح. وسأورد لك حدثين وقعا في تلك الفترة.فقبل 11 ايلول ذهبت الى منطقة شهرزور وفي قرية “تلة صفا”. جمعت العشائر هناك، وحلفتهم بالمصحف أن يساندوا الحزب بقيادة الملا مصطفى، الوحيد الذي لم يحلف بالقرآن كان الحاج مشير والد الأخ القيادي شوكت الحاج مشير، كنا جالسين حين هب واقفا وقال “مام جلال أنا لن أحلف بالقرآن، ولكني أعاهدك أنت بالذات أن أبقى معك وأساندك الى آخر يوم في حياتي. وإعلم جيدا بأن كل الذين أقسموا أمامك هم كاذبون، حلفوا بالقرآن زورا ولكنهم ليسوا معكم”. وهكذا حين لعلع الرصاص لم يبق معنا أحد منهم غير الحاج مشير، كما حدث الشيء ذاته في مناطق خلكان وبازيان حيث تخلت العشائر هناك عن الحزب ولم يبق غير الحزبيين بدون سلاح أو مال.
* وما كان موقف البارزاني بعد تلك الهزيمة المروعة للبيشمركة؟
– أبرق الملا مصطفى والشيخ أحمد الى الحكومة وأظهرا ولاءهما لها وقالوا “نحن نؤيد الحكومة ونساند الجمهورية”، ومازالت نسخة البرقية موجودة، فقامت الحكومة بإصدار بيان ألقته بالطائرات فوق عشائر بشدر ورانية وتقول فيه “إن الملا مصطفى و الشيخ أحمد أعلنا ولاءهما للجمهورية و للزعيم عبدالكريم قاسم، عليه نطلب منكم عدم التحرك والإنصراف الى منازلكم ككل المواطنين”.
* هل أرسلت البرقية بعد أحداث 11 أيلول؟
– نعم..نشرت البرقية بعد هجوم القوات الحكومية، ومن يوم 9 الى 18 من ذلك الشهر لم يسمع شيء عن حركة بهدينان، فموقف الملا مصطفى أدى الى إنهيار تام بمعنويات المنتفضين في بهدينان. وكانت هناك بذلك الوقت قوات كبيرة بقيادة علي عسكري و علي حمدي و احمد عبدالله، وكانت العمادية و زاخو و العديد من المناطق الأخرى تحت سيطرة الحزب، و إلتحق مئات أفراد الشرطة و المدنيين بهم و شكلوا هناك قوة كبيرة.
بدأت الثورة بإسم الحزب والملا مصطفى، ولكن عندما أبرق الملا مصطفى الى قاسم قال الناس “لقد خدعونا وهدموا بيوتنا”، ولذلك تخلوا عن الإنتفاضة وإستسلموا للحكومة.
القصف الجوي الأول لكردستان
* متى أستؤنف القتال و ماكانت أسبابه؟
– لا أعرف الأسباب، ولكن في 18 أيلول إرتكب قاسم خطأ تاريخيا كبيرا، حين أمر بقصف منطقة بارزان بعد أن أنذر الشيخ أحمد بضرورة طرد الملا مصطفى من هناك أو أن يستسلم للحكومة. فلو لم يقصف قاسم منطقة بارزان لكان الأمر قد إنتهى ولم يحدث أي شيء.
في تلك الفترة حدثت واقعة أخرى أغضب الملا مصطفى كثيرا من نوري أحمد طه الذي كان مسؤولا عن محور بينجوين. فعشائر المدينة ذهبوا الى نوري وعاتبوه قائلين “أنتم خدعتمونا، قلتم لنا بأن الملا مصطفى معنا وبأننا سنفجر ثورة، ولكن ظهر عكس ذلك، فأين هو الملا مصطفى؟ها نحن قد ثرنا وخرجنا على الحكومة وتشردنا وهدمنا بيوتنا، ولكن الملا مصطفى جالس في بيته يبرق لقاسم بالولاء والإخلاص”. فرد عليهم نوري ضاحكا “لقد إنتقم منكم الملا مصطفى، فحين عاهدتموه عام 1945 بأن تكونوا مع ثورته خذلتموه، وها أنتم تنتفضون وهو يخذلكم، هذا إنتقام منه لما بدر منكم”.
* وهل نفذ الشيخ أحمد مطالب قاسم؟
– غادر الملا مصطفى و300 مسلح معه منطقة بارزان بناء على طلب الشيخ أحمد و ذهبوا الى منطقة بهدينان وأعلن الشيخ ولاءه لقاسم وذهب لزيارته وقال “نحن مخلصون لك ولا علاقة لنا البتة بما حدث”.
* يعني وقعت أحداث مثيرة في فترة قصيرة؟
– نعم كانت أحداثا مثيرة، فقد هاجم البارتي في 9 أيلول منطقة بهيدنان وإستولى على بعض المدن هناك. وفي 11 أيلول قصف قاسم دربنديخان وبازيان وخلكان التي كانت العشائر تتجمع فيها، وفي 18 ايلول قصف قاسم منطقة بارزان. ونتيجة هذه المعارك إنقطعت الإتصالات بين قاسم والبارتي تماما، ورغم أن قاسم طلب بعد عدة أشهر أن يلتقي بأحد قيادات الحزب، لكنه بعد 11 ايلول عقد مؤتمرا صحفيا وكشف عن عدة وثائق وقراره بحل الحزب ومنعه وأعلن “بأنهم أصبحوا خارج القانون” ثم صادر ممتلكات الحزب. وبعد عدة أشهر أرسل قاسم بطلب أحد قادة الحزب وارسلنا المرحوم نوري شاويس اليه، ولكن قاسم رفض كل ما طرحه شاويس، وهكذا إنقطعت العلاقة تماما بين قاسم والحزب.
مخاضات الثورة المسلحة
* هل نستطيع أن نعد إنتهاء العلاقة بين قاسم و البارتي بداية حقيقية لثورة أيلول؟
– كما بينت سابقا، قبل فترة من إندلاع الثورة كان العديد من العشائر في مناطق مختلفة من كردستان قد إنتفضت، في السليمانية إنتفضت عشائر الجاف في منطقة سورداش، وعشائر الهموند والحاج ابراهيم جرمكا والحاج قادر إسماعيل عزيري والشيخ طيفور سركلو وكويخا إسماعيل تلان والشيخ محمود كاريزة، وعشائر أخرى في مناطق شهربازير وخوشناو وجبل سفين. وقاد الإنتفاضة كل من الملا ماتور ومحمود وأحمد كاواني، ثم مام طه مسؤول لجنة محلية شقلاوة وآخرين.وإلتحق بهم عدد من أفراد شرطة أربيل وأخذوا معهم أسلحتهم فتحولوا الى قوة مسلحة وإستقروا بجبل سفين.
وفي محور آخر في خلكان تجمع أغوات بشدر والشيخ حسين بوسكين وهباس مامند أغا. وفي كويسنجق خرج محمود أغا كاكةزياد وعدد آخر معه وأقاموا مقراتهم بجبل هيبت سلطان، وكان الناس جميعا منتفضين بناء على رسائل وتوصيات الملا مصطفى.
أما المكتب السياسي فقد كان على علم فقط بتحركات بهدينان والتي حدثت بدون علمه، وكان مسؤول الحركة هناك علي عسكري وأخذ هو وعلي حمدي وأحمد عبدالله زمام الأمور بأيديهم هناك.
وفي المناطق الأخرى مثل السليمانية لم تكن لنا قيادة ماعدا مركز لواء السليمانية وكنت مسؤولا عن الفرع هناك، أرسلنا كوادرنا الى وسط الجماهير وأمددناهم بالغذاء والأرزاق الضرورية، ولم تكن لدينا أية قوات مسلحة، وعلى الرغم مما حدث فإن المكتب السياسي كان لايزال يؤمن بأن الحركة العشائرية غير محبذة، وأظهرت وقائع التاريخ فيما بعد صدقية بأن الحركة العشائرية في كردستان مصيرها الفشل، ثم أن الأغلبية ممن ثاروا كانوا من الأغوات والإقطاعيين وكان هدفهم واحد فقط وهو محاربة قانون الإصلاح الزراعي وأن يحتفظوا بمكانتهم وسلطتهم الإقطاعية والعشائرية.
وبداهة لم تكن الإنتفاضة بهذا الشكل أمرا مقبولا من المكتب السياسي، رغم أنه لم يعارضها، ولكن الملا مصطفى وبالضد من موقف المكتب السياسي كان يحث هؤلاء ويشوقهم للتحرك، وإستغل ثقله وشهرته ليزجهما في خضم تلك الأحداث.ففي جميع جولاته على المراكز الحزبية كان يوصي مسؤوليها بمعاضدة الحركة وتأييدها. وكما تحدثت سابقا فإن الملا مصطفى لم يكن يتصور بأن تتسع الإنتفاضة بهذا الشكل المثير وتتحول الى ثورة شعبية، كان يعتقد بأنها مجرد ورقة ضغط ضد عبدالكريم قاسم، وأن قاسما سيضطر الى تقديم تنازلات ويخضع لمطالبه. ومن جانبه سعى المكتب السياسي أن يوظف الغضب الشعبي ضد الحكومة الديكتاتورية وتصرفاتها ضد الشعب الكردي وعدم إعترافه بالحقوق القومية، وأراد أن يحول ذلك الغضب الشعبي الى نضال سياسي.
في تلك الأثناء إستغل المكتب السياسي حلول ذكرى 6 أيلول لكي يدعو الشعب الى الإضراب العام في جميع مناطق كردستان، وأن ينقل ساحة النضال الى داخل المدن بدل حصرها في القرى. وهكذا بناءعلى دعوة الحزب نفذ الإضراب في مدن كركوك والسليمانية وأربيل وكويسنجق ورانية وزاخو ودهوك والعمادية والشيخان والأتروش وغيرها وكان إضرابا عاما ناجحا.وقامت الجماهير بالعديد من الفعاليات وتظاهروا وقدموا مطالبهم بعرائض وبرقيات موجهة الى الحكومة.
* بعد كل هذه الأحداث كيف تأسست قوة البيشمركة؟
– القوات المسلحة كانت بالشكل التالي:
جمع هباس اغا في منطقته بحدود 150-180 مسلحا، ونحن في جمي ريزان إستطعنا أن نجمع 12 فردا ولدينا فقط 3 بنادق. وأنا تسلحت ببندقية صيد، والأستاذ جلال عبدالرحمن إشترى بندقية إنكليزية بماله وآخر يدعى حسن كولوبو هرب من الجيش وجلب معه بندقية إنكليزية، ورمضان توراغي يملك مسدسين والآخرون جميعا كانوا بلا سلاح. وتعرضنا الى محنة كبيرة في المنطقة، لأننا كلما ذهبنا الى قرية يطردنا أهلها خوفا من قيام الطائرات العسكرية بقصفها، أضطررنا للذهاب الى منطقة جمي ريزان التي كانت خاوية على عروشها ولم تكن فيها أية قرية عامرة. أقمنا لنا هناك مقرا، أما الرفاق الآخرون ومنهم حمة حاجي طاهر وكويخا عبدالكريم ماوتي، فقد ذهبوا الى منطقة قاميش ودري وإستقروا هناك وكانوا قوة مؤلفة من 10-15 شخصا، وبقية الكوادر الحزبية تفرقوا وهاموا على وجوههم متوزعين بين قرداغ وسهل شهرزور، وذهب حلمي علي شريف ومعه قواته من خانقين الى هورين والشيخان وإستقر بجبل بمو ومعه 30 نفرا مسلحا، ومع ذلك لم نكن قد تلقينا أية أوامر سواء بالثورة أو بالتريث.
تخلي البارزاني عن الثورة وسفره الى تركيا
* وأين كان الملا مصطفى في خضم تلك الأحداث؟
– لم نكن نعرف ماذا يفعل وأين هو؟ تلقينا خبرا عن طريق علي عسكري وأحمد عبدالله وعلي حمدي يفيد بأن البارزاني حل هناك ببهدينان، وأنه ينوي اللجوء الى تركيا أو سوريا كلاجيء سياسي. وأفاد الخبر الواصل بأن الملا مصطفى لاينوي القتال ولا الثورة!. وحاول الكثيرون هناك أن يثنوا البارزاني عن السفر وأن يتخلى عن هذه الفكرة خصوصا علي عسكري، علي حمدي، أحمد عبدالله، أسعد خوشوي، علي خليل وغيرهم، لكن الملا مصطفى كان مصرا على رأيه، وحاول أن يستحصل موافقة تركيا، لكنه تلقى جوابا بالرفض، ثم حاول عن طريق سوريا وأبلغوه بدورهم برفض إستقباله، لذلك أضطر للبقاء في كردستان. وكنا نحن في السليمانية وأربيل بقينا وحدنا ولا نعرف ماذا نفعل، وعليه طالبنا بعقد إجتماع للقيادة لكي تحسم الأمر وترسينا على بر.
وبعد فترة قصيرة إنقشع الغبار وهدأت الأوضاع، فإجتمع العدد الأكبر من أعضاء القيادة في كانون الأول من عام 1961 في قرية عودلان قرب جمي ريزان، وتقرر هناك بإجماع الآراء الشروع بالنضال المسلح ولكن ليس تحت عنوان الثورة بل تحت إسم “الحركة المسلحة الدفاعية”. وكان هناك صوتان معارضان ضد الثورة وضد الكفاح المسلح وهما علي عبدالله و نوري أحمد طه.
كان رأي علي عبدالله أن هذا القرار قد يدفع بعبدالكريم قاسم أن يعلن التحول الى الديمقراطية ويحققها في العراق ليسحب البساط من تحت أقدامنا، ولذلك دعا الى التفاوض والتصالح معه وليس الثورة عليه. أما نوري أحمد طه فقد كان يرى بأن أي عمل أو حركة يقودها الملا مصطفى ستكون نتيجتها الفشل، وقال “أنا لي تجارب سابقة مع الملا، فكل حركة يقودها ستؤول الى الفشل والإنتكاسة، فتصرفاته منذ يوم عودته من الإتحاد السوفيتي ولحد الان تؤكد بأنه لايريد التحزب وهو ضد الحزب، ويصادق الإقطاعيين ويعتبرهم قوته الرئيسة، عليه أرى بأن لانخوض الكفاح المسلح و أن نسعى بدلا عنه الى التصالح و التفاوض مع الحكومة و أن نبحث عن حلول سياسية لقضيتنا”.
* هذا رأيهم، وما كان موقفك أنت؟
– جميع أعضاء القيادة وأتذكر منهم الأستاذ ابراهيم أحمد و نوري شاويس و الملا ماتور و عمر دبابة و جلال عبدالرحمن دعموا قرار الثورة و النضال المسلح و أنا كنت معهم، و كتبنا لأول مرة شعارات الثورة هناك، و كنت كتبت معظمها بعضها بالعربية و أخرى باللغة الكردية، فالإجتماع بالأساس عقد تحت إشرافنا و كنت أكتب محاضرها ويراجعها الإستاذ ابراهيم أحمد.
* وما كانت تلك الشعارات؟
– تم نشرها بجريدة خبات في ذلك الوقت منها “لاحلول إلا بالديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون تحقيق الحقوق القومية الكردية، وكذلك بعض الشعارات حول الحكم الذاتي الحقيقي، وشعار “كردستان أو الفناء”. والذي إنتشر فيما بعد كالنار في الهشيم، وكنت أنا من صاغ ذلك الشعار. وفي الحقيقة إقتبسته من شعار الثورة الكوبية الذي يقول “الوطن أو الموت”، وحاولت إلباسه زيا كرديا بالتعاون مع الأستاذ إبراهيم أحمد، فغيرت الوطن بكردستان، وغيرت الموت بالفناء، وأصبح الشعار “كردستان أو الفناء”.
كما وضعنا هناك تصاميم بدلة البيشمركة وحددنا نوعا من القماش الكاكي لها، وهناك أيضا وضع الإستاذ ابراهيم أحمد التعريفات العسكرية النظامية لتشكيلات البيشمركة مثل الساعد و الفرع و الخ، و هكذا توزعت القوات على تشكيلات تراتبية كما عرفت لاحقا.
* ومن أين حصلتم على الأموال لدعم الثورة؟
– قررنا البحث عن مصادر التمويل، وكان هناك مشروع قديم يقضي بالإستيلاء على الأموال التي ترسلها الحكومة من أربيل الى كويسنجق كل رأس الشهر. وكلفنا الملا ماتور بهذه العملية، لكنه كان يأتينا بحجج كثيرة و يصعب علينا العملية و يقول أن الأمر يحتاج الى عدة أشخاص للرصد و المراقبة، و هكذا كان يتململ ويصعب علينا الأمر، ولذلك قلت للقيادة “أن الخطة التي وضعها الملا ماتور لا تجدي، دعوني أنا أقوم بذلك”.وحسم الأستاذ ابراهيم أحمد هذا الأمر قائلا “يا أخوان، مام جلال طلب بنفسه أن يتطوع لإنجاز هذا العمل، فدعوه يذهب وينفذ الخطة التي يريدها، فإذا حصل على المال فبها، وإلا لن يكون نصيبه غير التعب”. وهكذا زودوني بقوة قوامها 20-30 من البيشمركة، وكنت غير مسلح، لذلك إستعرت بندقية شمس الدين المفتي الذي جاء من أربيل مريضا وينوي السفر الى بغداد للعلاج، وسرنا نحو الهدف و وصلنا الى كويسنجق بعد مسير يوم، ومن هناك إنتقلنا الى الطريق العام بين أربيل- كويسنجق. إنضم إلينا هناك الدكتور خالد.
وفي يوم 25كانون الأول 1961 نصبنا كمينا لمدير مالية كويسنجق السيد طاهر عبدالله الذي حمل المال من أربيل، وأبلغت جماعتي بأنه مع أول طلقة أطلقها عليهم أن يبدءوا بالهجوم، وكانت القوة المرافقة لمدير المالية تتألف من سيارة مسلحة يستقلها 6 أفراد من الشرطة منصوب فوقها رشاشة. وحين وصول الموكب الى قربنا أطلقت أول رصاصة وأصبت يد الشرطي الممسك بالرشاشة لكي أمنعه من إستعمالها، وحدث إطلاق نار مكثف قتل على اثرها شرطي من أهل كويسنجق يدعى زرار أمين وكذلك عريف ونائب عريف، والبقية تم أسرهم. وأتينا بكيس المال، وكنت أظن بأن الكيس يحوي على ما لايقل عن 150 ألف دينار، لأنه كان مليئا الى آخره، ولكن بدا أنه كان من الفئات الصغيرة، ولذلك لم يتجاوز المجموع عن 30 ألف دينار.
وكنت أثناء الهجوم أخفي وجهي وأعتمر قبعة شكاكية كي لايعرفوني. وبعد تسليم الكيس الى مسؤول مالية الحزب سألته أن يعد المبلغ؟ فأجابني وهو مخمور بعض الشيء “إن المبلغ هو ثلاثين ألفا فقط”، فصفعته دون إرادة مني! وكان ذلك بسبب خيبة أملي لأنني إعتقدت أنها 150 ألفا، رغم أن مبلغ ثلاثون ألفا كان مبلغا معتبرا حينذاك، رد المحاسب قائلا “لماذا تضربني يا أخي، هل جئنا متآخر آو هذا مبلغ ضئيل جئتنا به”. وأصبحت عبارته تلك محل تندر بالحزب لفترة طويلة.
على كل حال أخذنا المال وذهبنا الى رفاقنا في منطقة دولي وفيها رفاقنا و قوة بقيادة عمر دبابة. ووزعنا المال، سلمنا 10 الاف دينار للمكتب السياسي و أرسلنا 10 آلاف للملا مصطفى في بهدينان، وأخذنا عشرة آلاف المتبقية لنا. وبهذا المال إنتعشت أحوالنا لأننا لم نكن نملك شيئا، لا مالا ولا ملابس ولا حتى خبزا، فإشترينا به الملابس و الأحذية للبيشمركة و أعطينا كل واحد منهم ثلاثة دنانير و كانت مبلغا محترما حينذاك.