عامر القيسي
لم يحدث ان تضاربت وتوافقت وتقاطعت مصالح واستراتيجيات محلية وعربية واقليمية ودولية في بلد من العالم كما يحصل الآن في العراق !
ولم يحصل ان تصادمت هذه المصالح في اي بقعة من العالم بهذه الشراسة والعنف وانعدام الروح الانسانية كما يحصل الآن في العراق !
ولم يحصل ان دفع المواطن الفاتورة كاملة لتلك الصراعات كما يحصل الان في العراق !
ولم يحصل ان شهدت صراعات في اي بلد في العالم نخبة سياسية حاكمة على هذا القدر من السلبية وانعدام روح المسؤولية !
في التجربة اللبنانية القاسية دمويا واجتماعيا كانت اللوحة العامة مشابهة لما حصل ويحصل في العراق، وعشت ميدانيا سنوات من تفاصيلها ، لكنها برغم كل مخاطرها على المنطقة وعلاقتها بالصراع العربي الاسرائيلي ، الا انها لم تكن بحجم تكالب المصالح في العراق ، ولا حتى بشراسته، برغم انها كانت حربا اهلية بامتياز مع كل تعاريفها السياسية والاكاديمية ..
وسنقول مع اصحاب نظرية المؤامرة ، لو ان رجلا طلق زوجته في بلادنا ، فهي مؤامرة امبريالية وصهيونية من نتاج بروتوكولات صهيون ..
وسنقول مع اصحاب القول بان الارهاب مدعوم عالميا وعربيا وانه يأتينا من خلف الحدود ، وان ليس له عمق تأريخي في العراق ولا امتدادات اجتماعية ، وليس له مستقبل !
سنفترض ان الدنيا كلّها تتآمر علينا وتريد تدميرنا ومسخ حضارتنا الموغلة في القدم ، وان المطلوب تقويض العراق وتفتيته ، وفي الحد الادنى تقسيمه ، سواء بمشروع بايدن الاميركي او الرغبة الصهيونية بلبننة البلاد ، او باهداف اقليمية لابتلاع العراق وتحويله الى حدائق خلفية للمصالح العربية والايرانية والتركية وربما الهندية أو برغبات داخلية !
سنفترض كلّ ذلك ونقّر به.. ولكن علينا ان نسأل عن دورنا نحن ..
هل نحن على هذه الدرجة من السلبية ، بحيث تحولنا الى جغرافية لتلك المصالح واختبار استراتيجياتها وتكتيكاتها وافكارها النيرة؟
هل نحن جزء من كل تلك المصالح المتضاربة وقوانا السياسية احصنة طروادة باسماء عراقية ، فان عطست طهران او انقرة او واشنطن او الرياض نهرول لشراء “الكلينكس” تضامنا مع الوعكة الصحية !
أين نحن ؟ ماذا نريد؟
أين هي قوانا السياسية التي لها برنامجها العراقي الذي يوظف كل هذه الصراعات لصالح العراق ؟
أين القوى السياسية التي تجبر الآخرين على الانصياع للارادات الوطنية العراقية وتعمل على وفق اجندتها او في اقل تقدير تنسق معها وتتوافق ولا تعرض مصالحنا للخطر !
اسئلة بلا اجوبة ..وان كانت هناك اجوبة فهي تضليلية وشعاراتية وموغلة في الاكاذيب التي برعنا فيها ولها ومنها !
سنقول اننا بوجود هذا النوع من النخب السياسية الحاكمة ، وبالضعف الشديد ، حتى فقر الدم، للقوى الوطنية المغلوبة على امرها في صراع الحيتان ومستنقعات الطائفية ، ومع استمرار الانصياع وراء مواقف الدول المتصارعة فوق جغرافيتنا، وبفقداننا للسياسيين الذين بامكانهم ان يستفيدوا من الصراعات لا ان يكونوا من ادواتها الرخيصة..فاننا للأسف الشديد جدا سنراوح في المكان نفسه ، ان لم ننزلق الى المربع الاول الذي ضيعنا مكانه ايضا !!