دولة المؤسسات ودولة الأشخاص

عادل اللامي
الرئيس السابق للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات
المعنى الحقيقي لمفهوم دولة المؤسسات هو ان تكون المؤسسات والأجهزة الحكومية التنفيذية والقضائية مستقلة عن شخص وحزبية الحاكم وان تكون خاضعة فقط لسلطة القانون وان لا يكون للحاكم اي سلطان على مؤسسات الدولة غير ما نص عليه من صلاحيات دستورية وقانونية وان تنصاع المؤسسة والحاكم انصياعاً تاماً للقانون وبخلاف ذلك اي اذا خضعت المؤسسة لشخص الحاكم ورغباته الشخصية او الحزبية سنكون امام نظام ادارة شخصي او نظام حكم شخصي اي ديكتاتوري، والحاكم نقصد به رئيس الدولة او الحكومة او رئيس المؤسسة.
هنا تجب المراجعة والتساؤل هل العراق دولة اشخاص أم دولة مؤسسات؟ وهذا ما يفترض ان يكون، كون نظام الحكم في العراق ديمقراطيا برلمانيا، تستطيع عزيزي القاريء الكريم من خلال استعراض واستذكار بسيط لإداء مؤسسات الدولة خلال فترتين الأولى فترة ما قبل 9 نيسان 2003 وفترة ما بعد هذا التاريخ، لا يختلف اثنان ان الفترة الأولى لم يكن العراق دولة مؤسسات لأن جميع مؤسسات الدولة واجهزتها التنفيذية والقضائية وحتى التشريعية خاضعة لشخص الحاكم ورغباته الشخصية والحزبية، وهنا لا مندوحة من الأشارة ان مؤسسات دولة الاشخاص الدكتاتورية في احيان معينة تقدم مخرجات مادية جيدة واحيانا اخرى لا تقدم مخرجات مادية جيدة ولكن في كل الاحيان فأن هذا النوع من الدول تقدم اسوء المخرجات في مجال الحريات وحقوق الانسان فمثلا كوريا الشمالية التي تصنف بانها دولة شخصانية ديكتاتورية لكن مخرجاتها المادية جيدة فمثلاً وحسب احصاءات منظمة العمل الدولية كانت نسبة البطالة فيها لسنة 2015 هي 4,3% في حين في فرنسا للسنة نفسه هي 10,18% والأخيرة دولة مؤسسات ديمقراطية.
اما الفترة الثانية بعد 9 نيسان 2003 فان الدولة العراقية كما يفترضه شكل نظام الحكم حسب الدستور انها اصبحت دولة ديمقراطية برلمانية ولكن هل العراق الآن هو دولة مؤسسات؟ الجواب من خلال استعراض الواقع الحقيقي انه ليس دولة مؤسسات بل دولة اشخاص لكون مؤسسات الدولة وخصوصاً التنفيذية خاضعة لسلطة وسطوة الاشخاص القائمين على مؤسساتها بحصص حزبية لاحزاب قائمة على قواعد دينية وطائفية وعرقية والمثال الصارخ على هذه الظاهرة ان الوزارة بشكل عام تخضع لرغبات الوزير غير المستقل خصوصاً في الوزارات التي تتطلب الاستقلالية في العمل التنفيذي وحتى لو اعتبرنا ان المناصب الوزارية هي مناصب سياسية كما يبررون لكن هذه الظاهرة موجودة في المؤسسات الفرعية التابعة للوزارة فكثير من وكلاء الوزارات والمدراء العامين والمدراء غير مستقلين ويعكسون ولاءاتهم الحزبية على موظفيهم واداء دوائرهم وتكون المؤسسة او الدائرة خاضعة لرئيسها اكثر من خضوعها للقانون (تفشي الفساد دليلاً على لذلك)، فمثلاً عندما يتولى الوزير مسؤولياته فان اول خطوة يقوم بها هي تعيين الاقارب والمنتمين لحزبه على اساس المحسوبية الحزبية والشخصية لا على اساس الكفاءة والتنافس العادل للحصول على المنصب والوظيفة.
كل هذا يؤدي الى عدم تحقيق المخرجات الجيدة التي تخدم المواطن وتحقق التنمية والفائض في الانتاج، طبعاً وللانصاف هذا لا يمنع من ان بعض الوزراء خصوصاً المستوزرين على اساس الكفاءة والاختصاص حتى وان لم يكونوا مستقلين سياسياً كان لهم اداء جيد وانجازات واضحة ولو بنحو يتناسب مع حجم الموازنة الممنوحة لوزاراتهم وخصوصاً في الدورة الوزارية الحالية.
دولة المؤسسات لا تقوم إلا في ظل نظام ديمقراطي عادل يستند الى نظام انتخابي عادل، وخضوع الحاكم والمؤسسة لسيادة القانون ومن ضمن سيادة القانون هو احترام القانون في عملية التوظيف التي ينص القانون على انها يجب ان تكون على اساس المنافسة والمسابقة بين المرشحين حسب عدد نقاط الكفاءة والخبرة والدرجة العلمية. ولتحقيق ذلك يجب ان يتحلى السياسيون باعلى درجات الإيثار وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية والحزبية، صحيحة القاعدة تقول لا ديمقراطية من دون احزاب سياسية لكن للأسف كثير من احزابنا تعمل تحت شعار الاستيلاء والاستحواذ السلمي على السلطة لا تحت شعار التداول السلمي للسلطة كون السلطة ملك الشعب وليس ملكا للحزب بحجة حصوله على اغلبية المقاعد الانتخابية من خلال نظام انتخابي غير عادل كان لهذا الحزب الدور المؤثر في تشريعه.
لذلك من هنا اوجه الدعوة الى اغلبية جمهور الناخبين الصامتين (الأغلبية الصامتة) ان يشاركوا بالانتخاب ويحققوا أعلى نسبة مشاركة بالرغم من عدم وجود نظام انتخابي عادل ذلك ان القلة المتحكمة بهذا الوضع تراهن على مقاطعة الانتخابات لكي تفرغ الساحة الانتخابية للمنتفعين منهم واتباعهم وانا اقدرهم بحدود 3,5 مليون ناخب في حين ان اجمالي عدد الناخبين المؤهلين اكثر من 18 مليون ناخب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة