-1-
الورعُ عن محارم الله هو أفضل الأعمال على الاطلاق .
وبه تُصان الارواح ، وتُحفظ الدماءُ والأموال ، وتُؤدّى الحقوقُ، ويتُمُ الالتزام التام بالقيم والموازين، بعيداً عن كل ألوان الانتهاك للحرمات .
والمحصلة النهائية هي سلامة الانسان على نفسه ودينه وماله وعرضه وكرامته مِنْ أنْ تُهدر او تخدش، وليس شيء أثمن من ذلك ، وهكذا يكون الورع اللبنة الكبرى لسعادة الفرد والمجتمع والامة ,
-2-
واذا كان الورع مطلوباً مِنْ كُلّ واحدٍ منّا لما ينطوي عليه مِنْ أهميةٍ بالغة في مضمار التعايش السلمي والبناء والتنمية والاستقرار، فانه مطلوبٌ بدرجة أكبر من المسؤولين واصحاب النفوذ والسلطة والجاه العريض .
-3 –
ان القرارات التي يتخذها السلطويون اذا غاب عنهم الورع تعتبر أثقل الكوابيس التي تنغص على الناس عَيَشَهُم ، ويعيشون تحت وطأة الضغوط المُرْهِقَة ، والعواصف التي تهب عليهم بالرياح الساخنة ..!!
-4-
ومن روائع الورع ما سجله التاريخ بأحرف من نور للصاحب بن عبّاد الوزير الأديب المتميز بمروءاته ومناقبه (ت 335 هـ) جاء في سيرته :
انه أَمَرَ في بعض الأيام باحضار شَرابٍ مُعيّن ، فاحضروا قَدَحاً وحين هَمَّ أنْ يشرب قال له بعض خواصه :
لا تَشْربْهُ
انه مسموم ..!!
وكان الغلام الذي ناوله القدح واقفا عَنْدَهُ
قال الصاحب لمن حذّره مِنَ الشراب :
” ما الشاهد على صِحَة قولك ؟ “
قال :
تُجَرِبهُ بَمَنْ نَاوَلَك القَدَح
فقال الصاحب :
لا أستجيزُ ذلك، ولا استحُلِه .
انظر الى ورعه المانع من ايقاع الأذى بالآخرين
قال المحذّر للصاحب :
جَرِّبْهُ في دَجاجةٍ – اي جرّب السم –
فأجابه قائلا :
التمثيل بالحيوان لا يجوز .
أقول :
انّ ثمرة الورع لا تصون الانسان وحده بل تمتد لتشمل الحيوانات أيضاً .
ثم أَمَرَ الصاحبُ باراقةِ ما في القَدحِ
وقال للغلام :
انصرفْ عَنِّي ولا تدخل داري، الاّ انّه أَمَر بابقاء راتِبِه وقال :
” العقوبة بقطع الرزق نذالة “
-5-
ويطول بنا المقام لو أردنا استعراض المزيد من الشواهد .
وقد بادرنا الى كتابة هذه المقالة العجلى بعد أن أصبح الفساد ثقافةً شائعة ، وشيوع الفساد يعني غياب الورع ، ومع غيابِ الورعِ عن المسرح الاجتماعي كَثُرت الجرائم والمظالم، وعظُم الابتزاز، وانتُهبت الأموال ، وانتُهِكت الأعراض ، واقتربنا اخلاقيا من حافة الهاوية ..!!
نسأله سبحانه العون والسداد والنجاة من الوقوع في الافخاخ المُهْلِكة .
حسين الصدر