مع أنه قابل للاستمرار في 2017
الصباح الجديد ـ وكالات:
فوجئ كثيرون بمؤشرات النمو القوية المسجلة في العديد من البيانات الصادرة والمسوح في بداية هذا العام. أحد الأمثلة الكاشفة تمثل في إصدار بيانات موجزة عن مؤشرات مديري المشتريات في فرنسا وألمانيا ومنطقة اليورو. ومن بين المؤشرات التسع سجلت ثمانية مؤشرات نمو بل إن ستة مؤشرات سجلت نمواً أعلى من توقعات أي من خبراء الاقتصاد الذين استطلعت وكالة «رويترز» آراءهم.
ولذلك فليس من المدهش أن يبحث الاقتصاديون وصانعو السياسات الآن عن دليل مؤكد على أن انتعاش منطقة اليورو هذا العام قابل للاستمرار، وفي الوقت نفسه يشيرون إلى مجموعة متنوعة من الأخطار الاقتصادية والسياسية التي يحتمل أن تحمل في طياتها بذور الخراب. وينفي هؤلاء ظهور نقطة محددة يمكن عندها القول إن منطقة اليورو انتعشت وأصبحت تسير على طريق النمو. بل أن التطور ظل بطيئاً.
وقال جيمس ماكان خبير الاقتصاد المتخصص في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لدى ستاندرد لايف إنفستمنتس إن «منطقة اليورو تشهد تحسناً باطراد على مدار ثلاث سنوات الآن بمساعدة حفز السياسة النقدية ونهاية التقشف المالي وتحسن أحوال القطاع المالي». وتؤكد الأرقام ذلك، إذ تشير المفوضية الأوروبية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو نما على مدار 15 ربع سنة على التوالي في ما يعد علامة على التحسن المضطرد.
غير أن استبعاد بعض من أحدث البيانات يبين أن النمو كان مستقراً وليس مبهراً. فما زال النمو الاقتصادي يسير بمعدل يبلغ نحو 1.6 في المئة سنوياً ويقدر أغلب الخبراء الذين شاركوا بتوقعاتهم للمفوضية نفسها أنه سيظل على هذا المستوى تقريباً العام الحالي. لذلك فالسؤال الآن هو ما إذا كانت البيانات الأخيرة قلبت هذه الصورة رأساً على عقب. حتى قبل النظر في ما إذا كانت مشاكل الدين اليوناني ستؤرق منطقة اليورو مرة أخرى، فهناك قضيتان رئيستان هما التضخم والانتخابات.
وفي حين أن تكرار البيانات الإيجابية التي صدرت في شهري كانون الثاني وشباط خلال الشهر المقبل، مثل ارتفاع الطلبيات الصناعية الألمانية بشدة مرة أخرى، سيعزز سيناريو انطلاق النمو في الاتحاد الأوروبي، فربما يكون المفتاح في التضخم. وقال بول مورتيمر لي رئيس قسم اقتصاديات السوق في بنك «بي أن بي باريبا»: «يكمن خطر الشعور بخيبة الأمل في أن يؤدي ارتفاع التضخم الأساسي إلى تباطؤ نمو الدخل الحقيقي والاستهلاك».
ومن المتوقع أن تبلغ الـقراءة الأولية لمعدل التضخم في منطقة اليورو خلال شباط والتي تعلن الأربعاء اثنين في المئة مقارنة بالــشهر نفسه من العام الماضي لترتفع إلى المستوى الــذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي بفضل الحفز النقدي والنمو الاقتصادي. وعلى رغم تواضع هذا المستوى لم تشهد المنطقة مثله منذ أربع سنوات كما أن السنوات الخمس الماضية شهدت مساراً عكسياً قوياً بين التضخم ومبيعات التجزئة.
وبعبارة أخرى يمكن لارتفاع الأسعار أن يضر بإنفاق المستهلكين الذي يفيد في تحريك الاقتصاد. وتفسر البطالة خلال الأزمة المالية بعضاً من انخفاض مبيعات التجزئة الذي شوهد في شكل متقطع منذ عام 2008. غير أن معدل البطالة ما زال على رغم تحسنه يزيد مرتين عن مثيله في الولايات المتحدة على سبيل المثال. لذلك فإن التضخم في منطقة اليورو قد يخنق النمو الذي ولّده إذا ارتفع بشدة في العام المقبل.
ومع ذلك، يرى الاقتصاديون عاملاً للقضاء على النمو في سياسات منطقة اليورو. فقد جادل كثيرون بأن منطقة اليورو لا يمكنها التنافس كقوة اقتصادية رائدة من دون إصلاحات هيكلية كبيرة، خصوصاً في الاقتصادين اللذين يحتلان المرتبتين الثانية والثالثة بعد ألمانيا. وقالت فلورريان هينس خبيرة الاقتصاد الأوروبي في «بنك برينبرغ» الخاص: «الأمر يتوقف على رفع الوتيرة درجة في فرنسا وإيطاليا».
غير أن السياسة في هذين البلدين بالتحديد هي التي تهدد بتأجيل الإصلاحات الهيكلية المفيدة للنمو التي ينادي بها البنك المركزي الأوروبي وكثر من الاقتصاديين في القطاع الخاص. ففي إيطاليا تقلصت فرص إجراء انتخابات هذا العام، غير أن الاضطراب السياسي الذي اكتنف استقالة رئيس الوزراء ماتيو رينتسي سيؤدي على الأرجح إلى انتكاس الإصلاحات الكبرى حتى تجرى انتخابات.
ومع ذلك ففي فرنسا تمثل الانتخابات نفسها الخطر الأكبر. فاثنان من المرشحين الثلاثة الأوائل يعتبران من الإصلاحيين الاقتصاديين لكنهما يقفان في مواجهة مارين لوبن مرشحة الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين المتطرف والتي وعدت بطرح عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء من شأنه أن يهز استقرار اقتصاد منطقة اليورو لسنوات.
وتستبعد الاستطلاعات فوز لوبن. غير أن فوز الرئيس الأميركي لم يكن متوقعاً ولا كانت رغبة بريطانيا في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي متوقعة. وقال الاقتصاديون في «بنك برينبرغ» لعملائهم: «إذا انضمت فرنسا وهي تشهد تحسناً إلى ألمانيا وكانت الأخيرة لا تزال تحتفظ بقوتها في قلب أوروبا فمن الممكن أن تتحسن التوقعات الاقتصادية والسياسية لمنطقة اليورو ككل في شكل كبير. «(لكن) فوز لوبن بالرئاسة سيؤذن بنهاية الآمال في الإصلاح لفرنسا والاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة».