الفنان المسرحي عبد الامير شمخي: أعمالي قابله للتأويل

حاوره سمير خليل:

ان تتبرعم موهبة وتبدع في عالم المسرح فهي حالة مضيئة، اما ان تجمع هذه الموهبة بين التأليف والاخراج والتمثيل فهي حالة تثير الدهشة والاعجاب، والتساؤل كيف لموهبة ان تمسك بثلاثة اشتغالات، وتنثر الابداع بينها.
عبد الامير شمخي فنان عراقي كان متلهفا للإعلان عن نفسه وموهبته بعمر مبكر. اقتحم عالم الكتابة للمسرح بثقة وشجاعة بل ذهب لأبعد من هذا عندما ركب صهوة الابداع من قلعة الفن الحديث. المسرح الذي توهج بعطاء روادنا واساتذتنا الكبار في سفر المسرح العراقي العريق.
كانت مسرحية (الرهن) والتي نال عنها جائزة أفضل مؤلف مسرحي عام 1984 الضوء الذي كشف عن ملكة عبد الامير شمخي في التأليف، واكد حضوره كممثل حين جسد الشخصية الرئيسة في هذا العمل (محمد جعفر). وعلى صعيد الاخراج برع شمخي عند اخراجه لمسرحيته الشهيرة (أطراف المدينة) الجزء الثاني.
عندما يكتب شمخي تنساب الشاعرية بين ثنايا الحوار، وكأنك حين تسمعه تكون بحضرة شاعر متمكن. يجسد الشخصيات برشاقة، وفي الإخراج، مهندس ورسام، يوزع الحركة والممثلين بحرفية عالية، يرسم المشاهد بدقة.
حاورنا الفنان عبد الامير شمخي ليحدثنا بداية عن مسرحية (الرهن) فقال:
– لم تكن الرهن الخطوة الأولى، لكنها الخطوة الاكثر تأثيرا والاكبر سعة، لأنها كانت برعاية أفضل الفرق المسرحية العراقية، الا وهي فرقة المسرح الفني الحديث بمشاركة نخبة كبيرة من نجوم المسرح العراقي، يوسف العاني، وخليل شوقي، ومحمود ابو العباس، ومجيد حميد، وعواطف نعيم، وميسون خليل، واقبال نعيم، ومجيد السامرائي، والأخوة الاعزاء وائل الذي مثل شخصية الشقي، والاخ يحيى الذي ادى شخصيه صديق محمد جعفر، وانا (حيث قمت بأداء شخصية محمد جعفر). الرهن كانت تحاكي نوعية من الاعمال الشعبية العميقة، والتي تتصف بتركيبة شاملة في بنائية النص.
وتابع: في تلك الفترة كانت تستفزني اشياء متعلقة بالمقدرة على تأسيس خطاب يحاكي بعمق ما يتم طرحه، او المحاولة لإيجاد بنائية جديدة كما اسميها ( خطوة مدركة في مجهول ) وهذا هو جوهر التجريب، اذ لا يمكن بناء عمل من دون ادراك فكري ووعي جمالي، ثم تأتي المحاولة في مساحات مبتكرة، فقد يشدني لبناء عمل مسرحي شخصيو من الشخصيات التي تدور في فلكه، حكايته، او فكرته، وسائله وجمالياته، افتراضاته، الاحلام التي اراها عنه، حتى الأسئلة البليدة التي قد تطلق لمواجهة العمل، لهذا فالعمل يجب ان يكون متكاملا بذاته، ممثلا لعصره بمهارة.
وأوضح: سبقت الرهن مجموعة من الاعمال منها (كانكان العوام الذي مات مرتين) اعدادي واخراجي، (الرحلة) وهي من تأليفي واخراجي، و(الرجل الذي صار كلبا) ترجمها استاذي قاسم محمد، ثم تلتها مسرحية (حلم القرون) وغيرها، هكذا تجد ان الرهن قد ولدت بعد حراك وبحث، وقد كانت بالتعاون مع استاذي سامي عبد الحميد الذي قام بإخراج المسرحية، وتحدث عنها بوصفها أكثر مسرحية اثارت جدلا بطريقة التناول، وشكلت فريقين من النقاد بعضهم ولد للنقد من جسد الادب، واخرون مبدعون ولدوا كباحثين من خضم التجربة المسرحية العملية».
ثم تحدث عن مسرحية (أطراف المدينة) قائلا: كانت تجربة مختلفة آنذاك، نقلت المسرح الى الشاعرية، ثم مسرحية (السرداب) التي كانت من تأليفي واخراجي وقدمها فريق ابداعي رائع، ثم مسرحية (الامل) وغيرها من التجارب، كنت من خلالها اسعى لتأسيس مسرح يشمل كل المواصفات التركيبية الفكرية والجمالية، ويتحرك في محيط المجتمع كحدث ووعي وافتراض واحلام «.
وأضاف: بعد مغادرتي العراق ثار هنالك فضاء اخر للبحث، فالمتلقي تغيرت ملامحه، واحتل مساحة شاسعة، وتعددت ثقافاته واختلفت مجتمعاته، هنا جاءت مسرحيتي (نساء بلا ملامح). لقد ولدت من تجربة الألم، ولكن بالخلفية الفكرية والجمالية ذاتها، وقراءة المجهول، تلتها مسرحية (الهشيم)، هكذا انتقلت التجربة التكاملية الى مساحة اكبر، ومتلقي مختلف، ومنتج ابداعي مختلف، حتى ان بعضا مما قدم من اعمال بصورة انا لا اتفق معها شخصيا، غير ان النص قد انفلت بكل طاقته من سطوتي الى فضاء ابداعي واسع، وتجارب متعددة، وفي كل مرة، كان النص يثبت عمقه وقدرته على ان يكون اساسا لخطاب عرض ابداعي متكامل وهو ما حدث في المغرب، والجزائر، وليبيا، والكويت، والسعودية والبحرين، وغيرها من الدول العربية، انها تجارب ابداعية بنيت على نصوص لا تموت، متكاملة بذاتها، قابله للتاويل والتفسير ولديها الطاقة والقدرة على تفجير الحس الانساني والجمالي لدى كل مبدع.

* اين تجد نفسك؟ في التأليف ام التمثيل ام الاخراج؟
-قد يضيع الاختيار، لكننا يجب ان نكون استثنائيين في كل تجربة، ان يكون بمقدورنا الوصول الى تحقيق خطاب جمالي ابداعي سواء في التأليف، او الإخراج، او غيرها من تجارب المسرح. ففي مسرحيتي (الذيب)التي قمت بإخراجها كان عليّ ان اتعامل مع ممثلين من اجيال متعددة، وفي مقدمتهم معلمي سامي عبد الحميد، والمبدع الكبير خليل شوقي، والرائعة زكية خليفة، ومن جيل الشباب كان يقف هناك مبدعون رائعون عبد الخالق المختار، وهيثم عبد الرزاق، وباسم قهار، وماجد درندش، وحامد خضر، ومحمد هاشم، وعلي ريسان، وعبد الوهاب عبد الرحمن، ومحمد مجيد، كل يحمل خطابه الابداعي وتجاربه. كان عليّ آنذاك ان اخلق تجانسا جماليا يساعدني للذهاب الى الابعد بتعزيز خطابي كمخرج، وكانت حصيلة تلكم التجربة ما كتب عنها، ومن تناولها في البحث وتصريح معلمي سامي عبد الحميد، واستاذي خليل شوقي، من انني امتلك تلكم الخصوصية كمخرج، والذي تعزز فيما بعد بتجارب قدمتها خارج العراق.

*يمكن ان نعد علاقتك بالتلفزيون قليلة؟ لماذا؟
-عملية الانتاج التلفزيوني يشترك فيها الدعم الاقتصادي والابداع الفني والتلقي المجتمعي، غياب محور من هذه المحاور يقوم بتعطيل العملية الفنية كليا، التراجع في انتاج الدراما واضح، وحقيقة يتحدث عنها الجميع، وهي موجودة ايضا في الكثير من البلدان العربية، اما في العراق فيبدو ان العملية معطلة كليا واكثر تعقيدا، نسمع تصريحات مهمة، ونرى نتائج مختلفة، على سبيل المثال كان هنالك مسلسل اسمه (موال الفجر) اشادت به كل لجان الفحص منذ سنين طويلة، كتب بدقة متناهية، الا انه لم يشاهد النور منذ اكثر من عشرين عاما كنت أتأمله كثيرا، لان التجربة الابداعية تؤسس لما بعدها غير ان التجارب الإبداعية، الحقيقية كما يبدو قد كتب عليها التغيب والموت بصمت.

* كيف تفاعل الجمهور العربي مع كتاباتك؟
-اعمالي في الوطن العربي هي التي اسست لنفسها، وهي التي تعاضدت مع مبدعين من شتى البلدان لتقديم خطاب مسرحي ابداعي، وحصدت الجوائز المتقدمة في المهرجانات، فحين يرى المبدع سواء في المغرب العربي، او الخليج، او اي بلد حقيقته وحلمه والمه في مسرحيتي الهشيم (على سبيل المثال فقد تجاوزت الإطار الضيق الى المساحة الأكبر. تتوالى السنوات وماتزال المسرحيات قادرة على تأسيس علاقات متجددة، وهذا يعني ان النص لا يموت، وعلى سبيل المثال مسرحية (نساء بلا ملامح) كتبتها عام 96 19 في الأردن، وقدمتها الفنانة الأردنية «مجد القصص» بعد ان كنت قد غادرت الأردن، وها هي المسرحية ذاتها، وبرؤية اخرى وفريق عمل أردني اخر، تولد على خشبة المسرح الاردني من جديد بعد أكثر من عشرين عاما، وهذا الامر يحدث مع مسرحياتي الأخرى مثل (القلعة)، و(ذاكرة التراب)، و(الرحمة)، و(معطف الامير)، و(نساء بلا ملامح)، و(الهشيم) وغيرهما من الاعمال.
وتابع: هنالك مرحلة جديدة من البحث، ونتائج أكثر دهشة في نصوص ستطلق قريبا، هي ذهاب الى ما هو ابعد، أكثر دهشة، أكثر مواجهة للحقائق العميقة، واقتراب لألم الوجد حتى تتلمسه، وبحث يسلك دروب الخرائب العتيقة والغرائبية لمواجهة الحقائق الأصيلة.

*ماهي انطباعاتك عن المسرح العراقي اليوم ؟
-المسرح العراقي حي بتجارب مبدعيه الحقيقين، هكذا كان، وهكذا سيبقى مع الاجيال التي تولد، والتجارب المتنوعة، لكن ما يفزع، ان راكبي الموجة قد غيبوا المبدعين الحقيقيين الذين ركنوا للصمت، واكتفوا بمراقبة ما يجري، وهم داخل العراق وليس خارجه، لكن كأنهم خارجه، فهم مغيبون وان كانت اسماؤهم وتجاربهم لا ترتضى التغييب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة