دبلوماسيون أميركيون: أحداث الموصل قتلت حلم «العراق الديمقراطي»

مخاوف من مسارات طائفية مخيفة في العراق

بغداد – جيمس كيتفيلد*:

لطالما كانت القوات الأمنية العراقية تمثل بطاقة عودة الاميركيين من العراق, الامر الذي حدى بالقادة العسكريين الاميركيين, برغم خيبات الامل الاولى المبكرة, حدا بهم الى بناء تلك القوات العراقية على صورة القوات الاميركية بالذات. 

إن القوات الامنية العراقية التي تركها الاميركيون ورائهم كانت تقدر بـ350000 جندي ورجل شرطة, حيث دربت تلك القوات في مراكز تدريب شيدت على افضل المعايير الدولية, فضلا عن الدعم الذي تحصلت عليه وزارتا الدفاع والداخلية العراقيتان التان تم اصلاحهما بمفاهيم مدنية عالية بغية تعزيز دور واداء وقوة تلك القوات. اما قوات العمليات الخاصة العراقية التي كانت تضطلع بمهام مكافحة الارهاب جنبا الى جنب مع القوات الاميركية, فقد كانت تعد الافضل من نوعها على مستوى العالم العربي

وحين تقهقرت قوات الامن العراقية امام هجوم قاده ونفذه بضعة آلاف من افراد المليشيات الاسلامية الذين تقدموا حتى مشارف بغداد في بحر اسبوع من الزمن, ومع استسلام الآلاف من القوات العراقية واعدام المئات منهم ربما, ماتت الآمال الاميركية بترسيخ عراق موحد ينعم بالديمقراطية ويكون منارا لها في الشرق الاوسط.

في هذا السياق, تعلق جيسيكا لويس, وهي ضابط استخبارات عسكري سابق فضلا عن كونها تدير مركز الابحاث في معهد دراسات الحرب, تعلق بالقول «إن الحقيقة المتمثلة في إن 4 فرق من قوات الامن العراقية ذابت وانهارت من دون مقاومة إنما تمثل امرا غير عادي على الاطلاق, امرا يدق نواقيس الخطر ويثير القلق بقوة».

وتشير لويس الى إن عددا من اكثر قوات الامن العراقية كفاءة ومقدرة على الانتشار كانت مربوطة بساحة العمليات ضمن قتال دموي وشرس في منطقة الفلوجة التابعة لمحافظة الانبارغربي العراق حيث امكن لمقاتلي دولة العراق والشام الاسلامية المعروفة بأسم «داعش» من زرع اعلامهم السوداء خلال الربيع المنصرم.

لذلك, فقد ترك هذا الموقف القيادة العراقية من دون احتياط قادر على الانتشار يمكن له إن يسد او يمنع صدمة تقدم قوات داعش نحو بغداد قادمين من الشمال بعدما امكن لهم السيطرة على سلسلة من المدن الشمالية ومنها الموصل وتكريت التي تعرف بكونها مسقط رأس دكتاتور العراق السابق صدام حسين.

من جانبه, عمد رئيس وزراء العراق نوري المالكي الى استبدال قادة قوات الامن العراقية الكفوئين الذين دربهم ورعاهم الاميركيون, ليضع مكانهم جملة من الاتباع والمتزلفين والمتملقين الشيعة الذين عمدوا بدورهم الى اهمال تلك القوات, ما ادى الى اضعافها خلال السنوات الاخيرة الماضية, الامر الذي اضطره بالنتيجة الى طلب النجدة من المليشيات الشيعية التي كانت من جملة من كانوا وراء الحرب الطائفية التي عصفت بالبلاد خلال فترة العامين 2007-2008. 

وتستدرك لويس قائلة «تحت حكم المالكي, تدهورت وضمرت قوات الامن العراقية الى إن وصلت مرحلة باتت معها اشبه بمليشيات شيعية يقودها قادة مليشيات شيعة وحسب, الامر الذي اثار وصعد من مخاوف الطائفة السنية بالمقابل».

وتضيف لويس كذلك «لذلك, ومنذ عامين, كانت قيادات داعش تخطط وتسعى لزرع وتأجيج القتال الطائفي بين الشيعة والسنة في سوريا والعراق بغية إن يتحول الوضع الى صراع وجودي ومواجهة كونية. ومع حصول هذا الهجوم الـ»داعشي» الكبير, بات واضحا مقدار نجاح هذه الاستراتيجية المتطرفة في تحقيق اهدافها».

لذلك, وعبر نظرة معمقة وشاملة لوضع العراق, فأن هنالك الكثير من اللوم الذي يمكن إن يوجه لما يجري في هذه الازمة التي باتت تقسم العراق وتوزع ابنائه على الخنادق الطائفية, سنة وشيعة واكرادا.

كما إن القيادة العسكرية الاميركية اسائت تقدير حجم «الماموث» المكون من مجموعة الاجهزة والوظائف التي شغلتها قوات الامن العراقية السابقة, تلك القوات التي حُلّت وانتهت الى الصفر, الامر الخطير الذي لم تبدأ واشنطن بالتفكير والسعي لتداركه الا بعد مضي سنوات من الاحتلال الذي مزق العراق استنفذ طاقة الاميركيين.

من جانبها, عمدت ادارة الرئيس اوباما الى اهمال التحذيرات التي صدرت عن بعض من كبار القادة العسكريين الاميركيين الذين دعوا الى ضرورة الى الابقاء على مدربين عسكريين اميركيين لرعاية وتمكين القوات الامنية العراقية.

اما قرار اوباما الذي اصدره مؤخرا بخصوص اعادة نشر ما يقدر بـ300 من المستشارين العسكريين مع الشروع بأنشطة مراقبة جوية وعمليات استخبارات في العراق, على امل إن تشرع بشن ضربات جوية ضد مقاتلي داعش في تلك المنطقة, إنما تمثل كلها اشارات الى مدى التدهور وخطورة الموقف الذي وصل اليه الوضع هناك. وما لم يقترن هذا الدعم بصفقة سياسية تجبر رئيس الحكومة العراقية المالكي على تحقيق مشاركة اكبر واعمق بالسلطة مع السنة. 

من المؤكد إن معظم اللوم في الازمة الحالية يقع على اكتاف المالكي. لقد اكتسب الاخير, بداية, دعم وتأييد السنة حينما استخدم قوات الامن العراقية لضرب واخضاع التمرد الشيعي الذي حصل في البصرة ومدينة الصدر في العام 2008. لكن من دون وجود عسكري اميركي لكبح جماحه ما بعد العام 2011, خضع المالكي في النهاية لاغراءات استخدام قوات الامن العراقية كإقطاعية يمنحها للمتزلفين والاتباع, وكي يستخدمها لترويع خصومه السياسيين.

عن هذا الموضوع, يعلق الجنرال المتقاعد والزميل في معهد الامن الاميركي الجديد, ديفيد بارنو, والذي خدم كقائد سابق في افغانستان, يعلق بالقول «لقد عملت القوات الاميركية بجد كبير ضمن اطار الفترة من العام 2005 الى 2008 بغية بناء قوات امن عراقية مهنية ووطنية تمثل كل العراقيين, فيما باتت حقيقة التصور العام عن هذه القوات اليوم كمليشيات طائفية, باتت ظاهرة وبارزة امام حقيقة انكسارها وانهيارها السريع والصادم والمفاجئ امام المتطرفين الاسلاميين «.

اما السفير الاميركي السابق راين كروكر الذي خدم في العراق عام 2008 اثناء تنفيذ الاميركيين لموجتهم الرامية لكشر شوكة العنف في البلاد, فيقول من جانبه «اكثر من اي شيء آخر, فأنني اعتقد إن المالكي لا يزال يتحرك بدوافع الخوف الشخصي التي تسيطر عليه».

ويضيف كروكر قائلا «لقد سألت المالكي ذات مرة عن سبب اصراره على تشكيل وحدات العمليات الخاصة التي لا يرفع قادتها تقاريرهم الا الى مكتب رئيس الوزراء عوضا عن وزيري الدفاع والداخلية. عندها, اجابني المالكي بأن وجود تلك الوحدات يمثل ضمانة لأن لا تتكرر ضده سيناريوهات الانقلابات العسكرية كما حصل مع أسلافه السابقين».

وتكمن المفارقة الساخرة في أن إصرار المالكي على التلاعب بقوات الامن العراقية مع فشله في تعزيز المكاسب التي تحققت عن «معجزة الانبار» إنما تسببت بتجميع سحب كل غيوم التهديدات التي يخشاها بشدة, تلك التهديدات التي تجسدت بكبار المسؤولين البعثيين السابقين وقد التأم شملهم مع باقي الجماعات السنية الساخطة, حيث وجد جميع هؤلاء ارضية مشتركة وسببا موحدا للتعاون مع الدولة الإسلامية في العراق والشام.

* زميل اقدم في مركز دراسات الرئآسة ومجلس الشيوخ

ذي ناشيونال جورنال

ترجمة الهادر المعموري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة