زج الشباب في مواقع العمل الأثرية غاية نسعى إليها
الباحث عبد الأمير الحمداني لـ»الصباح الجديد»:
بصفته مفتشاً لآثار محافظة ذي قار، المحافظة التي تضم معظم المدن السومرية العظيمة المتضمنة أور، أريدو ، لارسا، لجش ، جرسو، و أومّــأ، كان من الواجب عليه هو ومن معه من الزملاء أن يقوموا بدورهم :» كنا ملزمين أن نفعل ما بوسعنا من أجل حماية وحفظ وتوثيق المواقع ألأثرية في المنطقة في أثناء وبعد حرب ٢٠٠٣.
في أثناء حرب ٢٠٠٣ كان يعمل في متحف الناصرية، وخلال معركة الناصرية لم يتمكّن من الوصول الى المتحف، ولكن حين توفّرت له فرصة الوصول وجد وحدة من مشاة البحريّة الأميريكية (المارينز) قد استولت على المتحف.
هذا الأمر وفّـر له فرصة حثّهم على إدراج حماية المواقع الأثرية ضمن مهامهم. كانت الأيام القليلة الأولى متوترة ، ولكن بعد وقت من الزمن بدأت وحدة المارينز بالإصغاء له، وفي شهر آيار ٢٠٠٣ قدم لهم إيجازاً بالمواقع المستهدفة من قبل اللصوص.
ألأهوار والتراث
الباحث والآثاري الدكتور عبد الامير الحمداني حدثنا عن عمله وكيف يمكن ان نطور أجيالاً تكون حامية للتراث بدلا من سرقته وتشويهه، ويرى ان التنظيم و الشباب وسيلتان ضامنتان لهذه الحماية، يقول:
«هناك محاولات لتشكيل جمعية للآثاريين، تُعنى وتهتم بشؤون الاثاريين، من الشباب خصوصاً، ونقل مطالبهم ورغباتهم للجهات الاثارية والثقافية في الحكومة.
بعد التغيير الذي حصل في سنة 2003 ، جرى تشكيل جمعية للآثاريين، وكنت من بين مؤسسيها، وأصدرت الجمعية هويات للأعضاء كما أصدرت مجلة بإسم «أثر»، وإستمرت في عملها لكن بنحو محدود.
خريجو الاثار من الشباب ينبغي العناية بهم وإحتضانهم في المؤسسة الآثارية بغية زجّهم في الأعمال الميدانية.
شخصياً قمت بتدريب مجموعة من خريجي الاثار الشباب على الأعمال الميدانية من مسح وتوثيق وتنقيب وتسجيل لمدة ثمانية أسابيع في أثناء تنقيبات البعثة العراقية-الأميريكية في مدينة أور في بداية هذا العام».
يستشف المرء من الحوار مع الحمداني، ان التراث والآثار شغله الشاغل، فحين تحدثنا عن ضم اليونسكو، الأهوار الى لائحة التراث العالمي قال بنبرة عميقة:
«أتشرّف أني أول من أعدَّ ملف ترشيح مدينة اور للائحة التراث العالمي لليونسكو سنة 2005 وقدّم لليونسكو سنة 2009، وكنت أول من أجرى مسوحات أثرية للمواقع الأثرية في الأهوار الجنوبية. وحين عدت من أميريكا نهاية سنة 2015، أسهمت في ملف الأهوار والآثار من خلال عملي في هيئة الاثار وأسهمت كذلك بالترويج للملف محلياً من خلال لجنة دعم ملف ترشيح الأهوار والآثار، ودولياً من خلال الترويج للملف في عدد من البلدان المؤثرة في اليونسكو، أو الكتابة الى آثاريين ومثقفين وإعلاميين ومهتمين بالطبيعة والبيئة والأهوار في أرجاء العالم.
لكن ثمة مخاوف من بناء جزر استيطانيّة داخل أهوار الجبايش – جنوبي محافظة ذي قار، سيما واليونسكو تعد الأمر « مخالفة صريحة لضوابط انضمام الأهوار إلى لائحة التراث العالميّ، هل هناك سعي باتجاه اكمال الاتفاقية الخاصة بهذا الموضوع؟
– تجدر الإشارة الى ان محافظة ذي قار كانت تضم مساحات واسعة من الأهوار الى وقت التجفيف الذي حصل بالتدريج بين عامي ١٩٩٢ و٢٠٠٠. من بينها هور الحمّار الذي يمتد من سوق الشيوخ غرباً الى شط العرب. برغم أن العديد من الجزر في الأهوار التي تعلوها القرى الحديثة هي بالأصل مواقع أثريّة، فأن المياه والنباتات العالية التي تحيط بتلك الجزر منعت وصول الآثاريين اليها الّا بشكل نادر.
وأما بشأن ملف الأهوار فالجهود ما زالت متواصلة من أجل إكمال المشاريع المقررة والمتفق عليها، ولا بد من تعاون الجميع في هذا الموضوع .. إعلام.. مواطنون.. مؤسسات معنية بالموضوع، ونحتاج حتى الى الجهد الشعبي»
ويضيف في هذا الصدد ان العشائر الجنوبية ساهمت في حماية الآثارن اذ قال:»
في بعض الحالات حافظ النظام العشائري- وهو النظام المتبقي الوحيد للردع في أثناء فوضى حرب ٢٠٠٣- على المواقع من النهب. ظهر ذلك واضحاً في حماية العشائر لمواقع أوروك ولجش ونينيا وأريدو والعبيد وتلول الناصريات، على سبيل المثال، في شهر أيلول من سنة ٢٠٠٣ وردت معلومات ان هناك شخصاً من القرية التي تقع قريباً من تل زرغل (نينا القديمة) في ناحية الدوّاية يقوم بتهديد حارس الموقع والتغطية على لصوص آثار يأتون من الفجر وقلعة سكر ومعهم تاجر محلّي، يؤويهم جميعاً في بيته مقابل ثمن. في فجر اليوم التالي خرجت ومعي فريق من الشرطة الإيطالية لتفقّد الموقع، لكن اللصوص وعند مشاهدتهم سيارات الفريق من مسافة بعيدة هربوا – عدا تاجر الآثار لأنه كان ثقيل الوزن- داخل مزارع الذرة القريبة. كانت القرية تضم مضيف المرحوم الشيخ عبدالهادي نايف، شيخ عام عشيرة بني سعيد، ومن باب اللياقة والعرف الإجتماعي طلبت من الفريق التوقّف عند المضيف وأن أقوم بإخبار الشيخ بم حصل لغرض المساعدة في حماية الموقع. إعتذر الشيخ كثيراً وأحس بالخجل، بل إعتبر أن التجاوز على الموقع هو تجاوز على حرمة المضيف والقرية، وتكفّل بتأمين حماية الموقع ومعاقبة المتورطين من عشيرته بما فيهم تاجر الآثار، ومن حينها لم يتم تأشير أو ملاحظة أي تجاوز على تل زرغل.
هل ما زال العبث بالآثار قائما أم تغيّر السلوك إزائها؟
– نوعاً مّا أصبحت النظرة جيدة، برغم ان النظرة للآثار والتراث، القديم منها بالأخص، ما زالت غير إيجابية. الوعي الآثاري يحتاج الى عمل ثقافي وفكري وإعلامي كبير. يمكن للمدارس والإعلام أن يلعبا دوراً حيوياً ومهماً. الإستهداف الممنهج الذي تعرضت له المواقع الأثرية والمدن التاريخية في العراق يؤشر موقف السكّان المحليين منها وربط التراث بالنظام السابق.خلال عمل في حماية المواقع الأثرية في محافظة ذي قار في أثناء وبعد حرب 2003 ، بصفتي مديراً لاثار ذي قار، واجهت العديد من المشكلات التي تتعلق بنظرة الناس للأثار، برغم أن النظام العشائري حافظ قليلاً على المواقع الأثرية.
أننا بحاجة الى ورش وحملات ميدانية لزيادة الوعي الآثاري لدي الجمهور، وكذلك الى إدخال مواد دراسية تعرّف بالآثار والتراث والبيئة والأهوار في المناهج المدرسية حتى من المراحل الدراسية المبكّرة، نحن نحتاج ورش مكثّفة وممنهجة، وتغطية وبرامج إعلامية، تستهدف جميع شرائح المجتمع يمكن أن تُسهم في زيادة الوعي بالآثار الذي يؤدي بالضرورة الى حماية الآثار والمحافظة عليها.
مواقع تعود الى العصر الحجري
أجريت ضمن ممارسات دائرة الاثار في الناصرية عمليات تأمين الحماية للمواقع الأثرية، وجرى تنفيذ مسوحات أثرية لمحافظة ذي قار وأجزاء من المحافظات المجاورة، ومن هنا اضيف نحو ٨٠٠ موقع أثري جديد لقائمة المواقع التي جرى تسجيلها في المسوحات الأثرية السابقة.إستهدف المسح مواقعاً أثرياً في مناطق جديدة لم تشملها المسوحات السابقة ومواقع أخرى لم تعرها المسوحات السابقة إهتماماً لأنها صغيرة الحجم نسبياً وكانت تقع ضمن أراضي زراعية حين نفّذت المسوحات.
وأجرى الفريق مابين الأعوام ٢٠٠٣- ٢٠١٠ مسوحات لمواقع أثرية في مناطق لم تشملها المسوحات السابقة. فقد تم مسح المناطق الواقعة شرق وجنوب أومّـا بين المصب العام غرباً الى شط الغرّاف شرقاً نزولاً الى مدينة الناصرية الحالية على نهر الفرات جنوباً، وتبيّن أن المواقع التي تم توثيقها قد ازدهرت منذ منتصف الألف الثالث الى نهاية الألف الثاني ق.م، مثلما جرى مسح المنطقة الواقعة جنوب أريدو بإتجاه البادية الغربية، إذ تنتشر فيها عدة مواقع تعود الى نهاية العصر الحجري الحديث الأعلى بما فيها أماكن قديمة لصيد الطرائد وأخرى لصنع الأدوات الحجرية تقع قريباً من عيون ماء وأودية مطرية. كما توصّل الى فهم لعمليات التحضّر للفترة مابين الألف الرابع والألف الثاني في دويلة لجش في المنطقة التي تقع شرق شط الغرّاف الحالي ابتداءً من مدينة أبيشال ( تل المحلقيّات ٥ كم شرق الرفاعي) مروراً بجرسو (تللّو) ولجش (تلول الهباء) إلى نينا ( تل زرغل) شرق الشطرة.
ويضيف: لاحظنا خلو بعض المناطق التي شملها المسح أعلاه من أية مستوطنات من الألف الرابع الى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، لكنها إستوطنت في عصورٍ لاحقةٍ إبتداءً من نهاية الألف الأول قبل الميلاد وصولاً الى العصور الإسلامية. يمكن الإستدلال على أن هذه المناطق لم تكن صالحةً للإستيطان لأنها كانت إما مسطحات مائية أو أهواراً. من هذه المناطق، المنطقة الواقعة مباشرةً جنوب بادتبيرا، والمنطقة المحيطة بأومّا الى مسافة ١٠ كم من جميع الجهات، والمنطقة التي تبدأ شمال وجنوب وشرق خط جرسو- لجش- نينا، والمنطقة التي تبدأ بعد ٢٠ كم شرق أور.
الى أي مدى تعاونكم أو تدعمكم الجهات الرسمية؟
التعاون موجود لكن يحتاج الى الإسهام ودعم أعمال التنقيب من قبل جميع الجهات، لأن هذا العمل المهم الذي يهدف الى حماية التراث العراقي والى التعريف به واستظهاره للعالم هي مهمة الدولة والمجتمع. الآثاريون في العراق على معرفة وخبرة واستعداد كافٍ للعمل بالتنقيب عن الآثار وإجراء أعمال ميدانية لكن ما ينقصهم هو التمويل المطلوب للعمل. أثبت المنقٌّب العراقي حرفية ومهنية عالية لأنه إبن البيئة. آن الآوان للبعثات الوطنية للتنقيب عن الآثار ان تبدأ العمل.