«ملتقى رؤية لسينما الشباب».. أفلام تبحث عن جمهور

في دورته الرابعة بعد توقف دام ثلاث سنوات..

وائل سعيد

حظ الأفلام فيما يخص الجوائز، أوفر من حظ الكتب على اختلاف أجناسها، فبينما تشترط مسابقات الكتب ألا يكون العمل قد حصل على جائزة أخرى، ينتقل الفيلم بأريحية من مسابقة إلى مسابقة ومن مهرجان إلى مهرجان، مراكمًا الجوائز واحدة تلو الأخرى، كما هي الحال مع معظم الأفلام المُشاركة هذا العام في «ملتقى رؤية لسينما الشباب» في دورته الرابعة بعد توقف دام ثلاث سنوات بسبب الوباء العالمي، بجانب تغيير رؤساء المركز القومي للسينما (مصر) – الجهة المنُظمة- ما حال دون استقرار الأوضاع كما أبلغتنا مديرة الملتقى، الناقدة صفاء مراد.
ومنذ دورته الأولى يُعد المهرجان بمثابة «فُرصة أخرى» للعرض حيث سبق للأفلام المُشاركة الاشتراك في مهرجانات والفوز بالجوائز، وبخلاف التميز الفني الذي تشترطه معايير اختيار الأفلام، كان للإنتاج المستقل ومشاريع التخرج نصيب أوفر.
تقدّم لدورة هذا العام حوالي 250 فيلمًا، تم اختيار 27 منهم للتنافس على جوائز ثلاث فئات: الأفلام التسجيلية. الأفلام الروائية القصيرة حتى 10د. الأفلام الروائية القصيرة حتى 30د. وتكونت لجنة التحكيم من الناقد أحمد شوقي، والمخرج محمد حماد، والممثلة هبة عبد الغني.
في مناخ تغلب عليه قوانين المسار الواحد كان نصيب صناعة السينما – في عمومها- مواجهة تحديات السير عكس التيار؛ وهو تيار تجاري سيطرت تشريعاته الأخطبوطية على غالبية الصُناع وانتقلت لذائقة الجمهور أيضًا، فدائمًا ما يبحث رأس المال عن أقرب الطُرق الآمنة لتحقيق مكاسب مضمونة وسريعة. من هنا كان قدر صُناع السينما المختلفة أو المغايرة هو المُخاطرة، بداية من صعوبة العثور على قنوات للتمويل والإنتاج ووصولًا إلى انصراف الجمهور نفسه عن متابعة مثل هذه الأفلام. فهي بجانب حداثة التجربة بالنسبة لصُناعها لا تُقدّم نجم شباك ولا تملك مقومات الإبهار والتشويق، ما أدى في بعض الأحيان، إلى اقتصار حضور العرض على أقارب صُناع الفيلم وزملائهم في غياب شبه تام للمُشاهد العادي، رغم أن معظم هذه الحفلات تكون مجانية.
مُنذ بضع سنين لم يكن أمام صُناع السينما المُستقلة إلا الاكتفاء بعدد محدود من الجمهور في أوقات كثيرة لا يتعدّى أصابع اليد الواحدة، وفي السنوات القليلة الماضية بدأت هذه الصورة في التغير في هدوء وعلى مهل. ربما كان لهذا التصالح أسباب عِدة منها تغيّر الرؤية لدى الصُنّاع أنفسهم والاحتكاك بموضوعات تشمل في عموميتها الإنسانية أو الاقتصادية شرائح مجتمعية عديدة، وهو ما حفّز الجمهور على المُشاركة الفعلية ولأول مرة تكون قاعة العرض كاملة العدد. من هنا تأتي أهمية فعالية كملتقى رؤية لسينما الشباب، ليكون صلة الربط بين أفلام جيدة تبحث عمن يُشاهدها وجمهور ملَّ السينما المعتادة.
استقبلت صالة عرض مركز الإبداع بدار الأوبرا فعاليات الدورة الرابعة من الملتقى على مدار ثلاثة أيام، يتحدث صناع الأفلام عن تجاربهم بعد مشاهدة العروض المخصصة لهذا اليوم، ويجيبون على أسئلة الحضور. ولعل ما جرى خلف الكاميرا من عقبات أو تحديات، هو القاسم المشترك بينهم جميعًا، منها اضطرارهم إلى وقف العمل في مراحل عديدة والذي كان يمتد أحيانًا لسنوات بسبب التمويل، وهو ما انعكس على عدد الأفلام المُستقلة المُشاركة هذا العام وفي صدارتها التي تمت بالتمويل الذاتي، يليها مشاريع التخرج ثم إنتاج الجمعيات الأهلية كمركز الجزويت أو المنح المُقدمة من جهات عربية وأجنبية، بجانب عدد من الأفلام من إنتاج معهد السينما وبعض الورش الجماعية.
تباينت الآراء حول مفاهيم سينما المرأة، سواء على المستوى التقني أو الموضوعات التي تخص النساء. يُمكننا تبين هذا في أفلام المُخرجات هذا العام؛ عدد المُشاركات -النصف تقريبًا- 13 فيلمًا؛ القضايا النسوية الملحة، واللافت أن معظم التجارب المُقدمة جمعت فيها المُخرجات بين أكثر من مهمة في الكتابة والتصوير والإنتاج بجانب الإخراج. في فيلم «كيف تجعل اثنين يقعان في الحب» تفشل البطلة في تجربة عاطفية مع صديقها، فتقرر أن تُعيد خلق ما فقدته على الشاشة وفق سيناريو جديد لا يعنيه سوى تحقيق رغبتها، فتصنع فيلمها الذي سيكون بمثابة شِرك يتم من خلاله إيقاع اثنين في الحب. الفيلم إنتاج جمعية الجزويت وإخراج بسمة شيرين التي شاركت في الكتابة والإنتاج أيضًا.
أما فيلم «كيلو جرام– روائي قصير– إخراج آلاء الباهي»، فيُمكن اعتباره مفاجأة هذه الدورة رغم عدم حصوله على جوائز، إلا أن المخرجة استطاعت تقديم فكرة بسيطة وغرائبية في قالب كوميدي غير مُفتعل؛ سواء على مستوى التمثيل أو القصة، ينتقل مهندس برمجيات شاب للسكن في شقة جديدة فيتفاجأ أنها مسكونة بأرواح مجموعة من المسرحيين اشتعلت فيهم النيران هنا منذ 15 عامًا أثناء مشاركتهم في مهرجان لعروض الأقاليم.
لعل أميز ما في الفيلم هو روح التجريب العالية، التجريب بمفهومه الجمالي والفني وليس بمعناه الشكلي، وقد سارت المخرجة بجرأة شديدة تُحسد عليها خلال 11 د تروي ما لا يُروى عن طريق مجموعة من الصور والمشاهد المجتزأة من الحياة، وهي ما يتوافق مع آلة الدرامز رفيقة البطلة بصخبها وتنويعاتها. ليس هناك حوار في الفيلم يُذكر، فالبطلة لم تتواءم مع الاتصال بالعالم ولهذا فحوارها داخلي صامت، لا نسمعه لكننا نرى ملامحه في المشاهد القصيرة السريعة المتتالية، كأنها خبطات قوية نابعة من آلة الدرامز، وكما يتكون الدرامز من مجموعة طبول وآلات إيقاعية، يُمكنها تجربة العزف على نغم آخر، إيقاع جديد ومغاير حتى وإن اضطررت للانسلاخ من جلدك.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة