سائلان اساسيان يتحكمان بحياتنا لدرجة البقاء على قيد الوجود او العدم ، وفقدان احدهما يسبب لنا مشكلات كبيرة وكثيرة .. احدهما ينزل من السماء شفافا نقيا من دون لون او طعم او رائحة والثاني يخرج من باطن الارض برائحة كريهة ولون داكن وطعم لايطاق !!.. و السائلان هما ، الماء الذي ينزل من السماء ليحيي الارض بعد موتها ، والنفط الذي يخرج من باطن هذه الارض ليحيي الخزائن بعد خوائها !
ومن مفارقات القدر ! ان العراق له من السائلين حظ وفير ، ولكن على الرغم مما لديه منهما ، الا ان الحياة مجدبة والخزائن يصيح فيها حضيري ابو عزيز رحمه الله !!
واذا اردنا الحديث عن ماء العراق فهو من البلدان التي تمتلك قيمة مائية هائلة متمثلة بنهري دجلة والفرات .. وهذان النهران مازالا يجريان ماء عذبا فراتا مذ وُجدا في هذه الارض التي كُنيت بهما ، ..وكانت الزراعة على مدى تاريخ العراق تمثل المصدر الرئيس وربما الوحيد للحياة ، الى ان تم اكتشاف النفط في عام ١٩٠٢ حين تم حفر اول بئر ،.. وشيئاً فشيئاً، بدأ النفط ينافس الزراعة في توفير الاموال الى ان تمكن من طردها تماما من ساحة المنافسة في ثمانينيات القرن الماضي بعد ان اصابنا مرض الرخاء النفطي ، فالاموال كثيرة وبامكاننا تحقيق كل ما نريد من دون عناء او تعب !! .. ومن المؤكد ان هذا المرض الخبيث تسبب في ترك الثروة المائية تذهب هدرا ، فكان كل ما ترسله لنا السماء من مياه سواء داخل حدودنا الاقليمية او بما يأتي به النهرين دجلة والفرات من خارج الحدود ، كانت كل تلك المياه تأخذ طريقها وهي حزينة بعيدا الى الجنوب لتختلط هناك بمياه الخليج المالحة فتضيع هويتها وتفقد عذوبتها المميزة ولتبقى البصرة الى يوم الناس هذا محرومة من المياه العذبة ، اذ لم ينفعها بحر النفط الذي تطفو على سطحه في جلب الماء الحلو ، فالنفط سائل لايُشرب !! ..
المصيبة ، اننا خسرنا المشيتين ،فلا نحن حافظنا على مياهنا من خلال الاهتمام بانشاء المشاريع الاروائية والسدود التي يمكن من خلالها المحافظة على المياه من الضياع والاستفادة منها في توسيع الرقعة الزراعية ، فتلاشت بساتين النخيل ولم يعد العراق بلد الثلاثين مليون نخلة واختفت حقول الشلب او كادت ،. ولا استطعنا من استثمار الثروات النفطية الهائلة في بناء اقتصاد بهيكلية متينة نستطيع من خلاله مواجهة الطواريء والازمات كما فعلت دول نفطية اخرى .
وعلى كل حال فإننا قد وصلنا الى ما وصلنا اليه من تداعيات اقتصادية كان بالإمكان تفاديها لو كانت لدينا تنمية مستدامة حقيقية ..أما وقد ادركنا هذه الحقيقة ،فعلينا ان نلتفت الى واقعنا الزراعي والمائي محاولين العمل على وضع مشاريع اروائية تقوم بالدرجة الاساس على كيفية الاستفادة من مياه الامطار على الرغم من تراجع معدلاتها بنحو ملحوظ خلال السنوات الاخيرة ، وكذلك امكانية الاستفادة من المياه الجوفية ، اذ المعروف ان بعض مناطق العراق تطفو على مياه جوفية بكميات كبيرة لاسيما مناطق الوسط والجنوب .. فضلا عن التفاوض مع الدول المتشاطئة معنا في حوضي دجلة والفرات وفي مقدمتها تركيا لضمان عدم تقليل الاطلاقات المائية بسبب انشاء سدود جديدة ومنها سد اليسو الذي ستبدأ عمليات ملؤه بالمياه في شهر اذار من العام المقبل .. اما في المجال النفطي ، فاعتقد اننا استوعبنا الدرس وهو ان هذا السائل ذا الرائحة الكريهة ليس له من صاحب او صديق ، لذلك فالمطلوب التفكير في الاستفادة مما بقي لدينا من اموال قد يوفرها النفط في غضون السنوات القليلة المقبلة المتبقية من عمره ! في احداث تنمية متوازنة واقتصاد متنام .. فنكون في الاقل بمنآى عن تحكم احد السائليْن في حياتنا الذي يمكننا الاستغناء عنه وهو النفط .
عبدالزهرة محمد الهنداوي
حياتنا .. بين النفط والماء !
التعليقات مغلقة